رَحِمَ)(١) أي : لا معصوم من أمره. وأن يأتي «فعيل» بمعنى «مفعل» كقوله تعالى : (بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ)(٢). أي : مبدعها. و «فعيل» بمعنى «فاعل» مثل : «حفيظ» و «قدير».
ومنه أن يأتي الفاعل على لفظ المفعول به وهو قليل كقوله تعالى : (إِنَّهُ كانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا)(٣) أي آتيا.
ومعظم هذه الأنواع يدخل في المجاز ولا سيما المرسل ، وفي الالتفات أو خروج الخبر والإنشاء عن الأغراض الأصلية. وقد أدخل الزركشي معظم هذه الألوان في المجاز الإفرادي أو المرسل (٤).
مخالفة العرف :
أدخله قدامة في عيوب المعاني وقال : «ومن عيوب المعاني مخالفة العرف والإتيان بما ليس في العادة والطبع» (٥). وهو المخالفة التي تحدّث عنها ابن منقذ وابن قيّم الجوزيّة وقد تقدّمت.
المخترع :
اخترع فلان الباطل : إذا اخترقه ، واخترع الشيء : اقتطعه واختزله ، والاختراع : الاستهلاك ، واخترع الشيء : ارتجله ، وقيل : اخترعه اشتقه ، ويقال : أنشأه وابتدأه (٦).
تحدّث البلاغيون والنّقّاد عن المخترع في باب المعاني قال العسكري : (٧) إنّها على ضربين : ضرب يبتدعه صاحب الصناعة من غير أن يكون له إمام يقتدي به فيه أو رسوم قائمة في أمثلة يعمل عليها.
وهذا الضّرب ربما يقع عليه عند الخطوب الحادثة ويتنبّه له عند الأمور النازلة الطارئة.
والآخر : ما يحتذيه على مثال تقدّم ورسم فرط أي سبق.
وعقد ابن رشيق بابا له وقال : «المخترع من الشعر هو ما لم يسبق إليه قائله ، ولا عمل أحد من الشعراء قبله نظيره أو ما يقرب منه» (٨) كقول امرئ القيس :
سموت اليها بعد ما نام أهلها |
سموّ حباب الماء حالا على حال |
فإنّه أوّل من طرق هذا المعنى وابتكره وسلّم الشعراء اليه فلم ينازعه أحد إيّاه. وفرّق ابن رشيق بين الاختراع والإبداع فقال : «والفرق بين الاختراع والإبداع وإن كان معناهما في العربية واحدا ، أنّ الاختراع : خلق المعاني التي لم يسبق اليها والإتيان بما لم يكن منها قطّ ، والإبداع : إتيان الشاعر بالمعنى المستظرف والذي لم تجر العادة بمثله. ثم لزمته هذه التسمية حتى قيل له بديع وإن كثر وتكرّر ، فصار الاختراع للمعنى والإبداع للفظ ، فاذا تم للشاعر أن يأتي بمعنى مخترع في لفظ بديع فقد استولى على الأمد ، وحاز قصب السبق. واشتقاق الاختراع من التليين يقال : «بيت خرع» إذا كان لينا ، والخروع «فعول» منه فكأن الشاعر سهل طريقة هذا المعنى وليّنه حتى أبرزه. وأما البديع فهو الجديد وأصله في الحبال وذلك أن يفتل الحبل جديدا ليس من قوى حبل نقضت ثم فتلت فتلا آخر» (٩).
وذكر ابن الأثير مثل ما ذكر العسكري وقال إنّ المعاني على ضربين (١٠) :
الأول : يبتدعه مؤلّف الكلام من غير أن يقتدي فيه بمن سبقه ، وهذا الضّرب ربما يعثر عليه عند الحوادث المتجدّدة ، ويتنّبه له عند الأمور الطارئة. ومن ذلك ما
__________________
(١) هود ٤٣.
(٢) البقرة ١١٧ ، الانعام ١٠١.
(٣) مريم ٦١.
(٤) البرهان في علوم القرآن ج ٢ ص ٢٥٨ وما بعدها.
(٥) نقد الشعر ص ٢٤٤ وينظر الموشح ص ٣٦٢.
(٦) اللسان (خرع).
(٧) كتاب الصناعتين ص ٦٩.
(٨) العمدة ج ١ ص ٢٦٢.
(٩) العمدة ج ١ ص ٢٦٥.
(١٠) المثل السائر ج ١ ص ٣١٢.