بحذف أو غيره ولا زائدا عليه» (١).
وقال العلوي : «هي في مصطلح فرسان البيان عبارة عن تأدية المقصود بمقدار معناه من غير زيادة فيه ولا نقصان عنه» (٢) ، وقسّمها الى نوعين :
الأوّل : أن تكون مساواة مع الاختصار ، وهذا نحو أن يتحرّى البليغ في تأدية معنى كلامه أوجز ما يكون من الألفاظ القليلة الأحرف الكثيرة المعاني التي يتعسّر تحصيلها على من دونه في البلاغة ، ومن هذا قوله تعالى : (هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلَّا الْإِحْسانُ)(٣) ، وقوله تعالى : (وَهَلْ نُجازِي إِلَّا الْكَفُورَ)(٤) فهذه أحرف قليلة تحتها فوائد غزيرة ونكت كثيرة.
الثاني : أن يكون المقصود المساواة من غير تحرّ ولا طلب اختصار ويسمّى «المتعارف».
قال العلوي : «والوجهان محمودان في البلاغة جميعا خلا أنّ الأوّل أدلّ على البلاغة وأقوى على تحصيل المراد» (٥). وقال السجلماسي : «هي مساوقة القول وبالجملة اللفظ للمعنى المدلول عليه به ومطابقته» (٦).
ويتضّح من كلام البلاغيين اتّجاهان :
الأوّل : أنّ المساواة واسطة بين الإيجاز والإطناب ، والى ذلك ذهب السّكّاكي والتيفاشي والقزويني وشرّاح التلخيص.
الثاني : أنّ المساواة داخلة في قسم الإيجاز ، والى ذلك ذهب ابن الأثير والطيبي الذي سماها : «إيجاز قصر» وقال : «هو أن تقصر اللفظ على المعنى» (٧).
قال المدني : «فالقزويني والتيفاشي والزنجاني وجميع أصحاب البديعيات على أنّها محمودة بل معدودة من البلاغة التي وصف فيها بعض الوصّاف أحد البلغاء : «كانت ألفاظه قوالب لمعانيه» ، وهذا قول من أدخلها في قسم الإيجاز أيضا. وأما السّكّاكي وأتباعه فعلى الثاني لأنّهم فسّروها بالمتعارف من كلام أوساط الناس الذين ليسوا في رتبة البلاغة» (٨).
وورد مصطلح المساواة بمعنى آخر ، فقد عقد ابن منقذ بابا للمساواة وقال : «هو مساواة الآخذ منه للآخذ عنه ، والأوّل أحق به لأنّه ابتدع ، والثاني اتّبع ، فالأوّل سابق والثاني لاحق» (٩) من ذلك ما قاله البحتري في بركة :
إذا علتها الصّبا أبدت لها حبكا |
مثل الجواشن مصقولا حواشيها |
أخذه الصولي فقال :
إذا ما الريح هبت قلت درع |
وإن سكنت فمرآة صقيل |
ولكنّ ابن منقذ جمع المساواة مع التضييق والتوسيع في باب واحد وقال : «إنّ النقاد قالوا : أن يكون اللفظ على قدر المعنى ولا يكون أطول منه ولا أقصر ، ولذلك قالوا : «خير الكلام ما كانت ألفاظه قوالب لمعانيه» (١٠).
وعقد ابن الأثير الحلبي بابا لمساواة اللفظ للمعنى وائتلافه وقسّمه الى عدّة أقسام ، وكانت مساواة الألفاظ للمعاني من غير زيادة ولا نقص
__________________
(١) الايضاح ص ١٧٧ ، التلخيص ص ٢١٣ ، شروح التلخيص ج ٣ ص ١٨٠ ، المطول ص ٢٨٦ ، الاطول ج ٢ ص ٣٥ ، وينظر معترك ج ١ ص ٢٩٣ ، الاتقان ج ٢ ص ٥٣ ، شرح عقود الجمان ص ٦٧ ، حلية اللب ص ٩٩.
(٢) الطراز ج ٣ ص ٣٢٢.
(٣) الرحمن ٦٠.
(٤) سبأ ١٧.
(٥) الطراز ج ٣ ص ٣٢٣.
(٦) المنزع البديع ص ١٨٢.
(٧) أنوار الربيع ج ٦ ص ٣١٤.
(٨) أنوار الربيع ج ٦ ص ٣١٧.
(٩) البديع في نقد الشعر ص ١٩٤.
(١٠) البديع في نقد الشعر ص ١٥٤.