الْأَرْضَ وَالسَّماواتِ الْعُلى ، الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى)(١). وقوله تعالى : (وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفى. اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى)(٢). والاستئناف هنا هو قوله تعالى : (الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى) وقوله تعالى : (اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى.) وقوله تعالى : (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ ، وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ ، وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ)(٣). يدفع وصفه تعالى باللطف والخبرة توهّم من يستبعد مدركا للبصر ولا يدركه البصر.
وقد يكون الاستئناف بما ليس فيه إعادة اسم ولا صفة كقوله تعالى : (أَأَنْتَ فَعَلْتَ هذا بِآلِهَتِنا يا إِبْراهِيمُ؟ قالَ : بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا ، فَسْئَلُوهُمْ إِنْ كانُوا يَنْطِقُونَ)(٤). تمّ الجواب بقوله : (بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا) واستأنف (فَسْئَلُوهُمْ إِنْ كانُوا يَنْطِقُونَ) تنبيها على أنّ جوابه كان تهكما بهم وليس على حقيقته وأنّ من لا ينطق كيف يفعل هذا بل كيف يكون إلها.
وهذا النوع في الكلام كثير ، وهو من لطيف البيان ، ولا ينبغي أن يعدّ هذا من الحذف ؛ لان المتكلم ما حذف من كلامه شيئا وانما السؤال لم يقع فكان هذا جوابه لو وقع.
وقسّم المتأخرون الاستئناف ثلاثة أضرب (٥) : لأنّ السؤال الذي تضمنته الجملة الأولى إما عن سبب الحكم فيها مطلقا كقول الشاعر :
قال لي؟ كيف أنت؟ قلت : عليل |
سهر دائم وحزن طويل |
أي : ما بالك عليلا؟ او ما سبب علتك؟
وكقول الآخر :
وقد غرضت من الدنيا فهل زمني |
معط حياتي لغرّ بعد ما غرضا (٦) |
|
جربت دهري وأهليه فما تركت |
لي التجارب في ودّ امرئ غرضا |
أي : لم تقول هذا ويحك؟ وما الذي اقتضاك أن تطوي عن الحياة الى هذا الحد كشحك؟
وإما عن سبب خاص له كقوله تعالى : (وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ)(٧) ، كأنه قيل : هل النفس أمّارة بالسوء؟ فقيل : إنّ النفس لأمّارة بالسوء.
وإما عن غيرهما كقوله تعالى : (قالُوا : سَلاماً ، قالَ : سَلامٌ)(٨) ، كأنه قيل : فماذا قال ابراهيم عليهالسلام؟ فقيل : قال : سلام. ومنه قول الشاعر :
زعم العواذل أنّني في غمرة |
صدقوا ، ولكن غمرتي لا تنجلي (٩) |
فانه لما أبدى الشكاية من جماعات العذّال كان ذلك مما يحرك السامع ليسأل : أصدقوا في ذلك أم كذبوا؟ فأخرج الكلام مخرجه اذا كان ذلك قد قيل له ، ففصل.
وقد يحذف صدر الاستئناف لقيام قرينة كقوله تعالى : (يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ ، رِجالٌ)(١٠) فيمن قرأ (يُسَبِّحُ) مبينا للمفعول. وقد يحذف الاستئناف كله كقول الشاعر :
زعمتم أنّ إخوتكم قريش |
لهم إلف وليس لكم إلاف (١١) |
حذف الجواب الذي هو : كذبتم في زعمكم وأقام
__________________
(١) طه ٤ ـ ٥.
(٢) طه ٧ ـ ٨.
(٣) الأنعام ١٠٣.
(٤) الأنبياء ٦٢ ـ ٦٣.
(٥) الايضاح ص ١٥٦ ، التلخيص ص ١٨٦ ، شروح التلخيص ج ٣ ص ٥٧ ، المطول ص ٢٥٩ الاطول ج ٢ ص ١٤.
(٦) غرض ؛ ضجر ومل. الغر ؛ من لا تجربة له.
(٧) يوسف ٥٣.
(٨) هود ٦٩ ـ ٣٧.
(٩) الغمرة ؛ الشدة. لا تنجلي ؛ لا تنكشف.
(١٠) النور ٣٦.
(١١) الالف والايلاف ؛ العهد.