مطابقة الكلام لمقتضى الحال :
عرف العرب مطابقة الكلام لمقتضى الحال ، وأشار الحطيئة في قوله لعمر ابن الخطاب ـ رضياللهعنه ـ الى أنّ لكل مقام مقالا فقال :
تحنّن عليّ هداك المليك |
فانّ لكل مقام مقالا (١) |
وانتبه الى ذلك النحاة واللغويون ، فالخليل يومىء الى ما يفيد ذلك وينقل سيبويه عنه في باب «عدّة ما يكون عليه الكلم» ويقول : «وأما «قد» فجواب لقوله «لما يفعل» فتقول : قد فعل. وزعم الخليل أنّ هذا الكلام لقوم ينتظرون الخبر» (٢). ودعا الجاحظ الى مطابقة الكلام لمقتضى الحال وكرّر ذلك في كتبه ونقل قولهم : «ومن علم حقّ المعنى أن يكون الاسم له طبقا وتلك الحال له وفقا ... ومدار الأمر على إفهام كل قوم بمقدار طاقتهم والحمل عليهم على أقدار منازلهم» (٣). ونقل عن صحيفة بشر بن المعتمر قوله : «ينبغي للمتكلّم أن يعرف أقدار المعاني ويوازن بينها وبين أقدار المستمعين وبين أقدار الحالات فيجعل لك طبقة من ذلك كلاما ولكل حالة من ذلك مقاما حتى يقسم أقدار الكلام على أقدار المعاني ويقسم أقدار المعاني على أقدار المقامات وأقدار المستمعين على أقدار تلك الحالات» (٤).
وقال : «ولكل مقام مقال ولكل صناعة شكل» (٥).
وأقرب أقواله الى هذا الباب قوله : «لكل ضرب من الحديث ضرب من اللفظ ولكل نوع من المعاني نوع من الأسماء ، فالسخيف للسخيف ، والجزل للجزل والإفصاح في موضع الإفصاح ، والكناية في موضع الكناية ، والاسترسال في موضع الاسترسال.
واذا كان موضع الحديث على أنّه مضحك ومله وداخل في باب المزاح والطيب فاستعملت فيه الإعراب انقلب عن جهته وإن كان في لفظه سخف وابدلت السخافة بالجزالة صار الحديث الذي وضع على أن يسرّ النفوس يكربها ويأخذ باكظامها» (٦).
وقال : «وقد أصاب كل الصواب من قال : «لكلّ مقام مقال» (٧).
وذكر العسكري وغيره عبارة «لكلّ مقام مقال» (٨) ، وربط البلاغيون حسن الكلام وقبحه بانطباقه على مقتضى الحال وغيره فقال السّكّاكي : «إنّ مدار حسن الكلام وقبحه على انطباق تركيبه على مقتضى الحال وعلى لا انطباقه» (٩). وعرّفوا البلاغة بأنّها «مطابقة الكلام لمقتضى الحال مع فصاحته» (١٠).
__________________
(١) مجاز القرآن ج ٢ ص ٣. الكامل ج ٢ ص ٥٤٩.
(٢) الكتاب ج ٤ ص ٢٢٣.
(٣) البيان ج ١ ص ٩٣.
(٤) البيان ج ١ ص ١٣٨.
(٥) الحيوان ج ٣ ص ٣٦٩.
(٦) الحيوان ج ٣ ص ٣٩. الكظم : مخرج النفس أخذ بكظمه : كربه وغمه.
(٧) الجواري ـ رسائل الجاحظ ج ٢ ص ٩٣ ، الحيوان ج ٣ ص ٤٣.
(٨) كتاب الصناعتين ص ٢١ ، ٢٧.
(٩) مفتاح العلوم ص ٨٤.
(١٠) الايضاح ص ٩ ، التلخيص ص ٣٣ ، شروح التلخيص ج ١ ص ١٢٤ ، المطول ص ٢٥ ، الاطول ج ١ ص ٣٠ ، حاشية الدسوقي ج ١ ص ١٢٥ ، ١٢٦.