تستعمل المعارضة في التقية وفي مخاطبة من خيف شرّه فيرضى بظاهر القول ويتخلّص في معناه من الكذب الصراح» (١). ومن المعارضة قوله تعالى على لسان مؤذّن يوسف : عليهالسلام ـ : (أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ)(٢) وهم لم يسرقوا الصواع وإنما عنى سرقتهم إياه من أبيه.
وللمعارضة معنى آخر وهو أن يعارض أحدهم صاحبه في خطبة أو شعر فيجاريه في لفظه ويباريه في معناه ، وقد عرفت المعارضة منذ الجاهلية» (٣).
وتحدّث الصنعاني عن المعارضة في فصل الاستعانة وقال : «اعلم أنّ المعارضة ليست من هذا النمط بشيء ولا تعتبر في المعارضة بالمعاني وإنما العبرة باللفظ في الفصاحة والبلاغة بأنواعها ، فلو كان المعارض يأخذ معنى ما يعارض فيه ويكسوه ألفاظا من عنده ويستعين ببعض ألفاظه لكان هذا احتذاء وسرقة ولم يكن معارضة ، ولكان يظهر للناس سقوط المعارض وخذلانه وافتضاحه» (٤). ومن ذلك ما قاله امرؤ القيس :
خليليّ مرّا بي على أم جندب |
لنقضي حاجات الفؤاد المعذّب |
وما قاله علقمة في معارضته :
ذهبت من الهجران في كل مذهب |
ولم يك حقا كلّ هذا التّجنّب |
فتباين معناهما لأنّه وصف الهجران الذي هو نقيض الوصال ، وعدّ مع ذلك معارضا لأنّه لما كان ما أتى به مثلا لما أتى به امرؤ القيس في الفصاحة.
ومن ذلك نقائض جرير والفرزدق وهي معروفة مشهورة ، وقصائدهم في المعارضات كثيرة.
والمعارضة والمناقضة عند ابن منقذ : «أن يناقض الشاعر كلامه أو يعارض بعضه بعضا» (٥). كما قال خفاف :
إذا انتكث الخيل ألفيته |
صبور الجنان رزينا خفيفا |
قيل : إنّه أراد رزينا من جهة العقل وخفيفا ، ويقال : إنّه أراد رزينا في نفسه.
وقال أبو نواس :
لما بدا ثعلب الصدود لنا |
أرسلت كلب الوصل في طلبه |
|
فجاء يسعى به معلّقه |
وقد لوى رأسه الى ذنبه |
المعاظلة :
عاظل معاظلة : لزم بعضه بعضا ، وتعاظلت الجراد : إذا تداخلت ، ويقال : تعاظلت السباع وتشابكت ، وعاظل الشاعر في القافية عظالا : ضمّن. وروي عن عمر بن الخطاب ـ رضياللهعنه ـ أنّه قال لقوم من العرب : أشعر شعرائكم من لم يعاظل الكلام ولم يتتبّع حوشيه ، أي لم يحمل بعضه على بعض ولم يتكلم بالرجيع من القول ولم يكرر اللفظ والمعنى (٦)
المعاظلة من عيوب اللفظ عند قدامة وهي التي وصف عمر بن الخطاب ـ رضياللهعنه ـ زهيرا بمجانبته لها فقال : «كان لا يعاظل بين الكلام». ولا يريد عمر مداخلة بعض الكلام فيما يشبهه من بعض أو فيما كان من جنسه وإنما أنكر أن يدخل بعضه فيما ليس من جنسه وما هو غير لائق به. قال قدامة : «وما أعرف ذلك إلا فاحش الاستعارة» (٧) كقول أوس بن حجر :
__________________
(١) البرهان في وجوه البيان ص ١١٨.
(٢) يوسف ٧٠.
(٣) بيان اعجاز القرآن ص ٥٣.
(٤) الرسالة العسجدية ص ٥٦.
(٥) البديع في نقد الشعر ص ١٥٢.
(٦) اللسان (عظل).
(٧) نقد الشعر ص ٢٠١.