المدني بينه وبين التكميل بقوله : «والفرق بين هذا النوع وبين التكميل ، أنّ التكميل يكمل ما وصف به أولا ، والاستتباع لا يلزم فيه ذلك» (١).
ومن أمثلة ما جاء من الاستتباع في الذم قول ابن هاني المغربي :
إنّ لفظا تلوكه لشبيه |
بك في منظر الجفاء الجليف |
وصفة بالعي وقبح اللهجة على وجه يستتبع وصفه بجفاء الخلقة والجلافة. ومن ذلك قول المدني :
وبثّوا الجياد السابحات ليلحقوا |
وهل يدرك الكسلان شأو أخي المجد |
|
فساروا وعادوا خائبين على وجى |
كما خاب من قدبات منهم على وعد (٢) |
الاستثناء :
الاستثناء من استثنيت الشيء من الشيء أي حاشيته (٣) ، وقد عرفه الاشموني بقوله : «الاستثناء هو الاخراج بـ «إلا» أو احدى اخواتها لما كان داخلا أو منزلا منزلة الداخل» (٤).
وقد تحدث العسكري عنه في باب البديع وقسمه الى قسمين :
الأول : أن تأتي معنى تريد توكيده والزيادة فيه فتستثني بغيره فتكون الزيادة التي قصدتها والتوكيد الذي توخيته في استثنائك كقول النابغة الذبياني :
ولا عيب فيهم غير أنّ سيوفهم |
بهنّ فلول من قراع الكتائب |
وقول الآخر :
فتى كملت أخلاقه غير أنّه |
جواد فما يبقي من المال باقيا |
|
فتى كان فيه ما يسرّ صديقه |
على أنّ فيه يسوء الأعاديا |
الثاني : استقصاء المعنى والتحرز من دخول النقصان فيه كقول طرفة :
فسقى ديارك ـ غير مفسدها ـ |
صوب الربيع وديمة تهمي |
وقول الآخر :
فلا تبعدن إلا من السوء إنن |
اليك وإن شطّت بك الدار نازع (٥) |
والأول هو الذي سماه ابن المعتز تأكيد المدح بما يشبه الذم (٦) ، والثاني الاحتراس وذكر الباقلاني النوع الأول وسماه استثناء وقال : «ومن البديع ضرب من الاستثناء» (٧) ، وذكر أمثلة العسكري. وتابعه ابن رشيق غير أنّه أخرج الاحتراس الذي ذكره العسكري من هذا الباب ، وقال : «ومن أصحاب التأليف من يعد في هذا الباب ما ناسب قول الشاعر :
فأصبحت مما كان بيني وبينها |
سوى ذكرها كالقابض الماء باليد |
وقال الربيع بن ضبيع الفزاري :
فنيت وما يفنى صنيعي ومنطقي |
وكلّ امرئ إلّا أحاديثه فاني |
وليس من هذا الباب عندي ، وإنّما هو من باب الاحتراس والاحتياط ، فلو أدخلنا في هذا الباب كل ما وقع فيه استثناء لطال ولخرجنا فيه عن قصده وغرضه ، ولكل نوع موضع» (٨).
__________________
(١) أنوار الربيع ج ٦ ص ١٤٩ ، شرح الكافية ص ٢٨٨.
(٢) الوجى ؛ الحفا.
(٣) اللسان (ثني) ، وينظر التعريفات ص ١٧.
(٤) شرح الأشموني ص ٢٢٧.
(٥) كتاب الصناعتين ص ٤٠٨.
(٦) البديع ص ٦٢ وينظر المنصف ذي نقد الشعر لابن وكيع ص ٧١.
(٧) اعجاز القرآن ص ١٦٠.
(٨) العمدة ج ٢ ص ٥٠ ، وينظر المنزع البديع ص ٢٨٦.