خيّرا ولا فاسقا» و «ما جاءني أحمر ولا أسمر». ووجه الكلام أن نقول : «ما جاءني أحمر ولا أسود» و «ما صاحبت خيّرا ولا شريرا» و «فلان شديد البأس عظيم النكاية وجواد الكف كثير العرف» وما يجري مع ذلك لأنّ السمرة لا تخالف السواد غاية المخالفة ، ونقاء الثغر لا يخالف شدة البأس ولا يوافقه» (١).
وقال القرطاجني : «وإنما تكون المقابلة في الكلام بالتوفيق بين المعاني التي يطابق بعضها بعضا والجمع بين المعنيين اللذين تكون بينهما نسبة تقتضي لأحدهما أن يذكر مع الآخر من جهة ما بينهما من تباين أو تقارب على صفة من الوضع تلائم بها عبارة أحد المعنيين عبارة الآخر كما لاءم كلا المعنيين في ذلك صاحبه» (٢).
المقارنة :
قارن الشيء الشيء مقارنة وقرانا : اقترن به وصاحبه ، واقترن الشيء بغيره وقارنته قرانا : صاحبته ، وقرنت الشيء بالشيء : وصلته (٣).
المقارنة من مبتدعات المصري ، قال هو «أن يقرن الشاعر الاستعارة بالتشبيه أو المبالغة أو غير ذلك من المعاني في كلامه بوصل يخفى أثره ويدقّ موضعه إلّا عن الحاذق المدمن النظر في هذه الصناعة» (٤). وفرّق بين هذا النوع والإبداع فقال : «المقارنة وهو أن يقترن بديعان في كلمة من الكلام والفرق بين هذا الباب وباب الإبداع ، أنّ الإبداع عبارة عن الإتيان ببديعين فصاعدا في الكلمة المفردة من غير اقتران» (٥). ومن المقارنة قوله تعالى : (وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزارَهُمْ عَلى ظُهُورِهِمْ أَلا ساءَ ما يَزِرُونَ)(٦) فإنّ هذه الآية الكريمة اقترن فيها التنكيت بتجنيس التغاير ، أمّا التنكيت ففي قوله تعالى : (عَلى ظُهُورِهِمْ) والنكتة في ترجيح الحمل على الظهور دون الرؤوس كون الظهور أقوى للحمل فأشار سبحانه الى ثقل الأوزار ، والتجنيس بين (أَوْزارَهُمْ) و (يَزِرُونَ) لأنّ الأولى اسم والثانية فعل. وأكثر ما يقع ذلك بالجمل الشرطية كقول ادريس بن اليمان من شعراء المغرب :
وكنت إذا استنزلت من جانب الرضى |
نزلت نزول الغيث في البلد المحل |
|
وإن هيّج الأعداء منك حفيظة |
وقعت وقوع النار في الحطب الجزل |
فان هذا الشاعر لاءم بين الاستعارة في صدر البيت الأول والتشبيه في عجز البيت. ومن المقارنة ما يقرنه الشاعر من شعر غيره بشعره وهو عكس الإبداع والاستعانة ، لأنّ الشاعر في هذين البابين يقدّم شعر نفسه على شعر غيره وفي المقارنة يقدّم شعر غيره على نفسه ، كما قال الرشيد هارون للمجاز يوما أجز : «الملك لله وحده» فقال المجاز : «وللخليفة بعده» ، «وللمحب إذا ما حبيبه بات عنده» (٧).
ومن المقارنة ما يقرنه الشاعر من شعر نفسه فيكون في فن فاذا قرن البيت بآخر صار من فن غيره ، ومن ذلك قول بعضهم :
له حقّ وليس عليه حقّ |
ومهما قال فالحسن الجميل |
|
وقد كان الرسول يرى حقوقا |
عليه لغيره وهو الرّسول |
فإنّ البيت الأوّل مدح محض ، فلما اقترن بالثاني صار
__________________
(١) كتاب الصناعتين ص ٣٣٩ ، وينظر كفاية الطالب ص ١٤٤ ، المنصف ص ٦٧.
(٢) منهاج البلغاء ص ٥٢ ، وينظر الروض المريع ص ١٠٧.
(٣) اللسان (قرن).
(٤) تحرير التحبير ص ٦٠٣.
(٥) بديع القرآن ص ٣١٨.
(٦) الانعام ٣١.
(٧) هذا شعر ولكن كتب هكذا لينسجم مع كتابة الرواية.