صدور الفصول للحكم التي يوقعها في نهاياتها فانّ ذلك كله منزع اختص به واختص بالاكثار منه والاعتناء به. وقد يعنى بالمنزع غير ذلك إلّا أنّه راجع الى معنى ما تقدّم ، فانّه أبدا لطف مأخذ في عبارات أو معان أو نظم أو أسلوب» (١).
المنصف :
قال السّكّاكي وهو يتحدّث عن الجزاء والشرط : «ومن هذا الأسلوب قوله تعالى : (قُلْ لا تُسْئَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنا وَلا نُسْئَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ)(٢) وإلا فحق النسق من حيث الظاهر قبل (لا تُسْئَلُونَ) عما عملنا ولا نسأل عما تجرمون وكذا ما قبله : (وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ)(٣). وهذا النوع من الكلام يسمّى المنصف» (٤). ولم يعرّفه أو يحدد أقسامه وأهدافه.
المنقاد :
المنقاد نوع من السجع ، قال الكلاعي : «وسمّينا هذا النوع من السجع المنقاد لأنّه ينقاد طوعا ويأتي قبل أن يستدعى ويستجلب وأكثر ما يأتي في فصل العامل» (٥) فمنه ما يأتي متفّقا في الوزن والسجع مثل «خبير» و «بصير» وربما خالفوا بحرف المد واللين فجاءوا بـ «خبير» مع «غفور». وربما جاء متفقا في السجع دون الوزن كـ «زيد» و «أيد» و «عمر» وقمر».
وربما أتوا بحروف متقاربة كالسين والصاد من حروف الهمس والطاء والظاء من حروف الاطباق.
وكثيرا ما يقع السجع في هذا الباب بالكنايات فيحترزون بها دون تكرار الحرف الذي قبلها فيقولون : لنا وبنا ويعتقد ونها فصلا وسجعا.
المواربة :
المواربة : المداهاة والمخاتلة ، وهي مأخوذة من الإرب وهو الدهاء فحوّلت الهمزة واوا. ويقال : ورب العرق يورب : أي فسد (٦).
وقال المصري : «المواربة براء مهملة وهي من ورب العرق بفتح الواو والراء إذا فسد فهو ورب ـ بكسر الراء ـ فكأنّ المتكلّم أفسد مفهوم ظاهر للكلام بما أبداه من تأويل باطنه (٧).
قال التّبريزي : «المواربة أن يقول الشاعر في مديح أو هجاء أو وصف فان أنكر عليه المديح بعض أعداء الممدوح ممن يخافه أو عثر عليه المهجوّ غيّر المعنى بلفظه إلى ما يتخلص به أو زاد او نقص. وأصله من «الإرب» وهو المكر والخديعة يقال أربت بكذا وكذا» (٨).
وقال المصري : «وحقيقتها أن يقول المتكلّم قولا يتضمّن ما ينكر عليه بسببه لبعد ما يتخلص به منه هذا إن فطن له وقت العمل وإلّا ارتجل حين يجبه به ما يخلّصه منه من جواب حاضر أو حاجة بالغة او تصحيف كلمة او تحريفها أو زيادة في الكلام او نقص او نادرة معجبة او ظرفة مضحكة» (٩) وقد جاء في الكتاب العزيز من ذلك قوله تعالى حكاية عن أكبر ولد يعقوب عليهالسلام : (ارْجِعُوا إِلى أَبِيكُمْ فَقُولُوا يا أَبانا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ)(١٠) فانّ بعض العلماء قرأ هذا الحرف (إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ) و «لم يسرّق» بفعل ما لم يسمّ فاعله توخيا للصدق فان يوسف ـ عليهالسلام ـ سرّق ولم يسرق ، فأتى بالكلام على الصحة بابدال الضمة من فتحة وتشديد في الراء وكسرتها» (١١).
__________________
(١) منهاج البلغاء ص ٣٦٦.
(٢) سبأ ٢٥.
(٣) سبأ ٢٤.
(٤) مفتاح العلوم ص ١١٨.
(٥) احكام صنعة الكلام ص ٢٤٢.
(٦) اللسان (ورب).
(٧) تحرير التحبير ص ٢٤٩ ، وينظر خزانة الادب ص ١١٢ ، أنوار الربيع ج ٢ ص ٢٩٩.
(٨) الوافي ص ٣٠٠.
(٩) تحرير التحبير ص ٢٤٩ ، بديع القرآن ص ٩٤.
(١٠) يوسف ٨١.
(١١) بديع القرآن ٩٥.