و «لا» النافية ، مثلها في قوله تعالى : (إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ)(١) ، لان تقدير البيت هكذا : «اليك تحث الركائب والا» أي وإن لم تحث اليك لا تحث.
و «عنك يحدث المحدث وإلا» أي وان لم يحدث عنك فالمحدث كاذب. وأما معناه الذي ذكره فالاستثناء فيه ظاهر ، فعلى هذا فالأليق أن يسمى هذا استثناء معنويا لئلا يتوهم من لا له دربة في العربية أن «إلّا» فيه هي الاستثنائية فيخبط خبط عشواء» (٢).
الاستثناء المعنويّ :
هو استثناء الحصر الذي تحدث عنه المصري في باب الاستثناء وقال إنّه نوع وقع له فسماه بهذا الاسم (٣) ، ولكن المدني فضّل أن يسمى هذا النوع «الاستثناء المعنوي» لئلا يتوهم من لا له دربة في العربية ان «إلّا» فيه هي الاستثنائية فيخبط خبط عشواء (٤).
الاستحالة والتّناقض :
الاستحالة من استحال ، وقد قيل : كل شيء تغير عن الاستواء الى العوج فقد حال واستحال وهو مستحيل. وكلام مستحيل أي محال ، والمحال ما عدل به عن وجهه. ويقال : أحلت الكلام أحيله إحالة اذا أفسدته ، وأحال الرجل أتى بالمحال وتكلم به أي بما لا يمكن وقوعه (٥). وللاستحالة معنى آخر وهو «حركة في الكيف كتسخن الماء وتبرده مع بقاء صورته النوعية» (٦) ، والأول هو ما يتصل بالاستحالة في البلاغة ؛ أما الثاني فهو مما يدخل في غير هذا الفن.
والاستحالة والتناقض من عيوب المعاني وقد تحدث عنهما قدامة فقال : «وهما أن يذكر في الشعر شيء فيجمع بينه وبين المقابل له من جهة واحدة.
والأشياء تتقابل على أربع جهات : إما عن طريق المضاف ، ومعنى المضاف هو الشيء الذي يقال بالقياس الى غيره مثل الضعف الى نصفه ، والمولى الى عبده ، والأب الى ابنه ، فكل واحد من الأب والابن والمولى والعبد والضعف والنصف يقال بالاضافة الى الآخر ، وهذه الأشياء من جهة ما ان كان واحد منها يقال بالقياس الى غيره هي من المضاف ، ومن جهة أن كل واحد منها بازاء صاحبه كالمقابل له فهي من المتقابلات.
وإما على طريق التضاد مثل : الشرير للخيّر والحار للبارد والأبيض للأسود. وإمّا على طريق العدم والقنية (٧) مثل الأعمى والبصير والأصلع وذي الجمّة. وإما على طريق النفي والاثبات مثل أن يقال : «زيد جالس ، زيد ليس بجالس» فاذا أتى في الشعر جمع بيع متقابلين من هذه المتقابلات وكان هذا الجمع من جهة واحدة فهو عيب فاحش غير مخصوص بالمعاني الشعرية بل هو لا حق بجميع المعاني. وأعني بقولي : «من جهة واحدة» انه قد يجوز أن يجتمع في كلام منثور أو منظوم متقابلان من هذه المتقابلات ويكون ذلك الاجتماع من جهتين لا من جهة واحدة فيكون الكلام مستقيما غير محال ولا متناقض. مثال ذلك أن يقال في تقابل المضاف : إنّ العشرة مثلا ضعف وإنّها نصف ، لكن يقال إنّها ضعف لخمسة ونصف لعشرين ، فلا يكون ذلك محالا إذا قيل من جهتين ، فاما من جهة واحدة كما اذا قيل إنّها ضعف ونصف لخمسة ، فلا. وكذلك يجوز أن يجتمع المتقابلات على طريق العدم والقنية من جهتين مثال ذلك أن يقال : «زيد أعمى بصير القلب» فيكون ذلك صحيحا ، فاما من جهة واحدة
__________________
(١) التوبة ٤٠.
(٢) أنوار الربيع ج ٣ ص ١١٣ ـ ١١٤.
(٣) تحرير التحبير ص ٣٣٧.
(٤) أنوار الربيع ج ٣ ص ١١٣ ـ ١١٤.
(٥) اللسان (حول).
(٦) التعريفات ص ١٤.
(٧) القنية ؛ ما اكتسب ، يقال «له غنم قنية» أي خالصة له ثابتة عليه.