تعالى : (أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْرى)(١) وكون ما يصلح للعود ولم يسق الكلام له كقوله تعالى : (رُسُلُ اللهِ ، اللهُ أَعْلَمُ)(٢) والاشارة الى عدم دخول الجملة في حكم الاولى كقوله تعالى : (فَإِنْ يَشَإِ اللهُ يَخْتِمْ عَلى قَلْبِكَ وَيَمْحُ اللهُ الْباطِلَ)(٣).
وسمّاه القزويني : «وضع المظهر موضع المضمر» (٤) وذكر بعض دواعيه التي تقدمت ، وقال إنّه يأتي اسم اشارة ، وذلك لكمال العناية بتمييزه لاختصاصه بحكم بديع كقوله ابن الراوندي :
كم عاقل عاقل أعيت مذاهبه |
وجاهل وجاهل تلقاه مرزوقا |
|
هذا الذي ترك الأوهام حائرة |
وصيّر العالم النحرير زنديقا |
وإما للتهكم بالسامع كما اذا كان فاقد البصر ، أو لم يكن ثمّ مشار اليه أصلا. وإما للنداء على كمال بلادته بإنّه لا يدرك غير المحسوس بالبصر أو على كمال فطانته ، بأنّ غير المحسوس بالبصر عنده كالمحسوس عند غيره. وإما لادعاء أنّه كمل ظهوره حتى كأنه محسوس بالبصر كقول ابن الدمينة :
تعاللت كي أشجى وما بك علّة |
تريدين قتلي قد ظفرت بذلك |
ويأتي غير اسم إشارة وذلك لزيادة التمكين كقوله تعالى : (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ. اللهُ الصَّمَدُ)(٥) وقوله : (وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْناهُ ، وَبِالْحَقِّ نَزَلَ)(٦). وقول الشاعر :
إن تسألوا الحقّ نعط الحقّ سائله |
والدرع محقبة والسيف مقروب (٧) |
وإما لادخال الروع في ضمير السامع وتربية المهابة ، وإما لتقوية داعي المأمور كقوله تعالى : (فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ)(٨).
وإما للاستعطاف كقول الشاعر : «إلهي عبدك العاصي أتاكا».
وضع الماضي موضع المستقبل :
هذا النوع من خلاف مقتضى الظاهر وذلك تنبيها على تحقيق وقوعه كقوله تعالى : (وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ)(٩) وقوله : (وَنادى أَصْحابُ الْأَعْرافِ رِجالاً يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيماهُمْ قالُوا : ما أَغْنى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَما كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ)(١٠).
وإما للاشراف أي : مشارفة وقوعه ومقاربته كقوله تعالى : (وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعافاً خافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً)(١١) أي : لو شارفوا أن يتركوا.
أو لابراز غير الحاصل في معرض الحاصل لقوة الاسباب الظاهرة كقول المشتري : «اشتريت» حال انعقاد أسبابه (١٢).
وقد بحث ابن الاثير هذا النوع في شجاعة العربية أو الالتفات وقال فائدة ذلك «أنّ الفعل الماضي إذا أخبر به عن الفعل المستقبل الذي لم يوجد بعد كان ذلك أبلغ وأوكد في تحقيق الفعل وإيجاده ؛ لأنّ الفعل الماضي يعطي من المعنى أنّه قد كان ووجد ، وإنما يفعل ذلك إذا كان الفعل المستقبل من الاشياء العظيمة
__________________
(١) البقرة ٢٨٢.
(٢) الانعام ١٢٤.
(٣) الشورى ٢٤.
(٤) الايضاح ص ٦٩ ، التلخيص ص ٩٠ ، شروح التلخيص ج ١ ص ٤٥٢ ، المطول ص ١٢٨ ، الاطول ج ١ ص ١٥١.
(٥) الاخلاص ١ ـ ٢.
(٦) الاسراء ١٠٥.
(٧) محقبة : موضوعة خلفنا على الركاب. مقروب : موضع في قرابه.
(٨) آل عمران ١٥٩.
(٩) النمل ٨٧.
(١٠) الاعراف ٤٨.
(١١) النساء ٩.
(١٢) شرح عقود الجمان ص ٣٠.