فاني إذا ما الموت حلّ بنفسها |
يزال بنفسي قبل ذاك فأقبر |
فقد جمع بين «قبل» و «بعد» وهما من المضاف لأنّه لا قبل إلا لبعد ، ولا بعد إلا لقبل ، حيث قال : إنّه اذا وقع الموت بها ، وهذا القول كأنه شرط وضعه ليكون له جواب يأتي به ، وجوابه هو قوله : يزال بنفسي قبل ذاك ، وهذا شبيه بقول قائل لو قال : إذا انكسر الكوز انكسرت الجرة قبله ، وقد جعل هذا الشاعر ما هو قبل بعداومما جاء من التناقض على طريق القنية والعدم قول يحيى بن نوفل :
لأعلاج ثمانية وشيخ |
كبير السّن ذي بصر ضرير (١) |
فلفظة «ضرير» تستعمل في الأكثر للذي لا بصر له ، قول الشاعر في هذا الشيخ : إنّه ذو بصر وإنّه ضرير تناقض من جهة القنية والعدم ، وذلك كأنه يقول : إنّ له بصرا ولا بصر له فهو بصير أعمى.
ومن التناقض على طريق الايجاب والسلب قول عبد الرحمن بن عبد الله القس :
أرى هجرها والقتل مثلين فاقصروا |
ملامكم فالقتل أعفى وأيسر |
فأوجب هذا الشاعر الهجر والقتل انهما مثلان ثم سلبهما ذلك بقوله : «إنّ القتل أعفى وأيسر» فكأنه قال : «إنّ القتل مثل الهجر وليس هو مثله ، ولو قال «بل القتل أعفى وأيسر» لكان الشعر مستقيما.
الاستحقاق :
الاستحقاق : الاستيجاب ، يقال : استحق الشيء أي استوجبه (٢).
والاستحقاق من أنواع أخذ المعنى عند القرطاجني ، ويفهم من كلامه أنّ الشاعر يستحق المعنى اذا فضلت عبارته عن عبارة المتقدم ، وهذا حسن جيد في باب الأخذ الذي تحدث عنه البلاغيون على مختلف العهود. قال القرطاجني وهو يتحدث عن المعاني : «فمراتب الشعراء فيما يلمون به من المعاني إذن أربع : اختراع واستحقاق وشركة وسرقة. فالاختراع هو الغاية في الاستحسان ، والاستحقاق تال له ، والشركة منها ما يساوي الآخر فيه الأولى فهذا لا عيب فيه ، ومنها ما ينحط فيه الآخر عن الأول فهذا معيب ، والسرقة كلها معيبة وان كان بعضها أشد قبحا من بعض» (٣). وفي هذا النص يتضح أنّ الاستحقاق ليس مما يعاب بل إنّه بعد الاختراع في المنزلة. وقد أوضح القرطاجني هذه المسألة بقوله : «فاذا تساوى تأليفا الشاعرين في ذلك فانه يسمى الاشتراك ، وإن فضلت فيه عبارة المتقدم فذلك الاستحقاق لأنّه استحقّ نسبة المعنى اليه باجادته نظم العبارة عنه» (٤).
الاستخبار :
الاستخبار من استخبر ، واستخبر : سأله عن الخبر وطلب أن يخبره ، ويقال : تخبرت الخبر واستخبرته ، وتخبرت الجواب واستخبرته. والاستخبار والتخبر :السؤال عن الخبر ، واستخبر إذا سأل عن الأخبار ليعرفها (٥).
وكان ثعلب قد ذكر أنّ قواعد الشعر أربع : أمر ، ونهي ، وخبر ، واستخبار. (٦) ولم يعرّف الاستخبار وإنّما قال إنه كقول قيس بن الخطيم :
أنّى سربت وكنت غير سروب |
وتقرّب الأحلام غير قريب |
__________________
(١) العلج ؛ الرجل من كفار العجم.
(٢) اللسان (حقق).
(٣) منهاج البلغاء ص ١٩٦.
(٤) منهاج البلغاء ص ١٩٣.
(٥) اللسان (خبر).
(٦) قواعد الشعر ص ٢٥.