مقدّمة الطّبعة الأولى
بسم الله الرّحمن الرّحيم
نشأت البلاغة كغيرها من علوم اللغة العربية لخدمة القرآن الكريم وإتقان اللغة وتعليمها والوقوف على أساليبها ، ومرّت بأطوار مختلفة ، وشهدت تجارب متعددة وكان المصطلح البلاغيّ يأخذ معناه العلميّ الدقيق كلّما ظهر عالم ألمعيّ له قدرة على وضع الحدود وصياغة التعريفات.
ولعلّ عبد القاهر الجرجاني (ـ ٤٧١ ه او ٤٧٤ ه) كان من أكثر البلاغيين دقة في المصطلح وضبطا للقاعدة ورسما للأصول ، فقد استطاع بعبقريته الفذّة أن يؤلّف كتابيه «دلائل الاعجاز» و «أسرار البلاغة» اللذين كانا عمدة البلاغيين. وظلّت البلاغة تشهد نموا حتّى القرن الثاني عشر للهجرة ولكنها توقّفت عند رسوم المتأخرين ولم يضف اليها في هذا العصر إلا ما يهدف اليه المنهج الحديث في تصنيف الموضوعات ، وهو منهج اتضح في «فن القول» للمرحوم أمين الخولي ، ولم يسد الدرس البلاغيّ الجديد.
والمجدّد إن لم يصدر عن التراث يظلّ بعيدا عن الأصالة ؛ لأنّ التجديد قتل القديم درسا ، والبلاغة العربية ذات التأريخ العريق أحوج ما تكون الى الدراسة العميقة وسبر اتجاهاتها لتصل الى مرحلة تستشرف فيها مستقبلا زاهرا ينير معالم الطريق. وأول خطوة الى التراث البلاغي دراسة مصطلحاتها وتطورها وابرازها بثوبها العربي الأصيل ، ولن يتم ذلك إلا بوضع معجم يجمع جزئياتها وينسقها في عرض تأريخي يظهر تطورها ويحدد معالمها. وقد ظهرت هذه الفكرة منذ سنوات طويلة ، ولكنّ الوصول الى وضع معجم كان حلما بعيدا لأنّ تأريخ البلاغة العربية طويل ؛ ولأنّ القدماء لم يلمحوا التطور إلا بما يخدم أهداف الكتب التي ألفوها ؛ لأنّهم لم يقصدوا الى التأريخ قصدا ، ولم يسعوا إلى وضع معجم البلاغة التأريخي سعيا. ولكنّ الدعوة الى وضع معجم تأريخي للغة العربية ظلت تتردد ، وعقدت من أجل ذلك الندوات فما استطاعت أن تبدأ به ؛ لأنّ تأريخ