ما تمنعي يقظى فقد تؤتينه |
في النّوم غير مصرّد محسوب (١) |
فالاستخبار عنده هو الاستفهام ، وهو ما ذهب اليه ابن قتيبة حينما قال : «الكلام أربعة : أمر ، وخبر ، واستخبار ، ورغبة» (٢). ولكنهما لم ينصا على ذلك وإن كان ذلك مفهوما من تقسيمهما الكلام ، غير أنّ ابن فارس قال عنه : «الاستخبار : طلب خبر ما ليس عند المستخبر ، وهو الاستفهام. وذكر ناس أنّ بين الاستخبار والاستفهام أدنى فرق ، قالوا : وذلك أنّ اولى الحالين الاستخبار ؛ لانك تستخبر فتجاب بشيء فربما فهمته وربما لم تفهمه ، فاذا سألت ثانية فانت مستفهم ، تقول : أفهمني ما قلته لي. قالوا : والدليل على ذلك ان الباري ـ جل ثناؤه ـ يوصف بالخبر ولا يوصف بالفهم» (٣). وذكر الزركشي مثل ذلك وقال إنّ الاستخبار بمعنى الاستفهام ، وأشار الى من فرّق بينهما نقلا عن ابن فارس (٤). ولكنّ البلاغيين أداروا مصطلح «الاستفهام» في مباحثهم وكتبهم ، وهو ما استعمله النحاة حينما تحدثوا عن أدوات الاستفهام ، في حين أنّ عبد القاهر قد قال إنّ الاستفهام استخبار ، «والاستخبار هو طلب من المخاطب أن يخبرك» (٥).
الاستخدام :
الاستخدام في اللغة استفعال من الخدمة (٦) وذكر الخطيبي أنّه «يسمى أيضا الاستحدام ـ بالحاء المهملة» (٧) ، ولا صلة لهذه الكلمة بالاستخدام الذي هو «أن تكون الكلمة لها معنيان فتحتاج اليها فتذكرها وحدها فتخدم للمعنيين» (٨) ، لأن الحدم شدة احماء الشيء بحر الشمس والنار ، يقال : حدمه فاحتدم ، وحدمة النار : صوت التهابها ، والاحتدام شدة الحر ، واحتدمت النار : التهبت ، واحتدم صدر فلان غيضا ، واحتدمت القدر : إذا اشتد غليانها ، واحتدم الدم إذا اشتدت حمرته حتى يسودّ. ولا صلة للاستخدام بالاستخذام ، لأن الحذم القطع أو الاسراع في المشي أو المشي الخفيف (٩).
وكان ابن منقذ أول من عرّفه بقوله : «اعلم أنّ الاستخدام هو أن تكون الكلمة لها معنيان فتحتاج اليها فتذكرها وحدها فتخدم للمعنيين» (١٠). ومثّل له بقوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى)(١١) ، والصلاة ههنا تحتمل أن تكون فعل الصلاة وموضع الصلاة ، فاستخدم الصلاة بلفظ واحد ؛ لانه قال سبحانه : (إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ) فدلّ على أنّه أراد موضع الصلاة ، وقال تعالى : (حَتَّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ) فدلّ على أنه فعل الصلاة.
وذكر قول البحتري :
فسقى الغضا والساكنيه وإن هم |
شبّوه بين جوانح وقلوب |
فالغضا يحتمل أن يكون الموضع ، ويحتمل أن يكون الشجر ، فاستخدم المعنيين بقوله : «والساكنيه» وبقوله : «وإن هم شبّوه».
ومن ذلك قول بعض العرب :
إذا نزل السماء بأرض قوم |
رعيناه وإن كانوا غضابا |
فالسماء تحتمل معنيين : المطر والنبات ، فاستخدم المعنيين بقوله : «إذا نزل» وبقوله : «رعيناه» لأنّ النزول من حالات المطر والرعي من حالات الكلأ.
__________________
(١) سربت ؛ سريت. غير سروب ؛ غير مبعدة ، أي انها لا تبعد الضرب في الأرض. مصرد ؛ مقلل.
(٢) أدب الكاتب ص ٤.
(٣) الصاحبي ص ١٨١.
(٤) البرهان في علوم القرآن ج ٢ ص ٣٢٦.
(٥) دلائل الاعجاز ص ١٠٨.
(٦) اللسان (خدم) وخزانة الأدب ص ٥٢ ، وأنوار الربيع ج ١ ص ٣٠٧.
(٧) عروس الافراح ج ٤ ص ٣٢٦.
(٨) البديع في نقد الشعر ص ٨٢.
(٩) اللسان (حدم) و (حذم).
(١٠) البديع في نقد الشعر ص ٨٢.
(١١) النساء ٤٣.