فان لفظة «نباتي» يحتمل الاشتراك بالنسبة الى السكر والى ابن نباتة الشاعر وقد توسطت بين «الريق» وحلاوته وبين «الدر» و «النظم» و «العقد» فاستخدمت أحد مفهوميها وهو السكر النباتي بذكر الريق والحلاوة ، واستخدمت من المفهوم الآخر وهو قول الشاعر «النباتي» بذكر النظم والدر والعقد». وذكر أنّ شاهد الضمائر على طريقة القزويني بيت واحد وهو قول القائل : «إذا نزل السماء ...» ، وأنّ شاهد الضميرين قول البحتري : «فسقى الغضا ...» ولم يخرج البلاغيون عن هذين البيتين في مثل هذه الحالة وإن ذكروا غيرهما في الحالات الأخرى.
وذكر السيوطي ما قاله الحموي ، وأشار الى أنّ الطريقة الثانية مذهب السكاكي واتباعه (١) ، غير أنّ مفتاح العلوم لا يحوي هذا الفن ولعل السيوطي يريد به طريقة القزويني وشراح تلخيصه. ثم قال : «قيل : ولم يقع في القرآن على طريقة السكاكي. قلت : وقد استخرجت بفكري آيات على طريقته منها قوله تعالى : (أَتى أَمْرُ اللهِ)(٢) ، فأمر الله يراد به قيام الساعة والعذاب وبعثة النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ وقد أريد بلفظه الأخير كما أخرج ابن مردويه من طريق الضحاك عن ابن عباس في قوله تعالى : (أَتى أَمْرُ اللهِ.) قال : «محمد» وأعيد الضمير عليه في «تستعجلوه» مرادا به قيام الساعة والعذاب».
وذكر المدني الطريقتين وسمّى الثانية طريقة الخطيب في الايضاح والتلخيص ومن تبعه ولم ينسبها الى السكاكي وذكر عبارة السيوطي على الوجه الآتي : «قال الحافظ السيوطي في الاتقان : قيل ولم يقع في القرآن على طريقة صاحب الايضاح شيء من الاستخدام» (٣) مع أنّ العبارة كما جاءت في معترك الاقران والاتقان وشرح عقود الجمان هي : «وهذه طريقة السكاكي واتباعه». وليس في مفتاح العلوم ذكر للاستخدام.
وقد ذكر الحلي أنّ الاستخدام عزيز (٤) ولذلك لم يذكر المتقدمون له أمثلة كثيرة ، ومعظمها ما سبق ذكره في هذا المقام.
الاستدراج :
الاستدراج من استدرج ، واستدرجه بمعنى أدناه منه على التدريج فتدرّج هو ، وفي التنزيل العزيز : (سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ)(٥) ، أي : سنأخذهم قليلا قليلا ولا نباغتهم ، وقيل إنّ معناه سنأخذهم من حيث لا يحتسبون (٦).
وذكر ابن الأثير أنّه استخرج هذا الفن من كتاب الله وقال : «وهو مخادعات الأقوال التي تقوم مقام مخادعات الافعال. والكلام فيه وإن تضمن بلاغة فليس الغرض ههنا ذكر بلاغته فقط ، بل الغرض ذكر ما تضمنه من النكت الدقيقة في استدراج الخصم الى الاذعان والتسليم. واذا حقق النظر فيه علم أنّ مدار البلاغة كلها عليه ؛ لأنه لا انتفاع بايراد الألفاظ المليحة الرائقة ولا المعاني اللطيفة الدقيقة دون أن تكون مستجلبة لبلوغ غرض المخاطب بها. والكلام في مثل هذا ينبغي أن يكون قصيرا في خلابه لا قصيرا في خطابه ، فاذا لم يتصرف الكاتب في استدراج الخصم الى إلقاء يده فليس بكاتب ولا شبيه له إلا صاحب الجدل ، فكما أنّ ذاك يتصرف في المغالطات القياسية فكذلك هذا يتصرف في المغالطات الخطابية» (٧).
وقال في تعريف الاستدراج : «هو التوصل الى
__________________
(١) معترك ج ١ ص ٣٧٦ ، الاتقان ج ٢ ص ٨٤ ، شرح عقود الجمان ص ١١٦.
(٢) النحل ١.
(٣) أنوار ج ١ ص ٣٠٨.
(٤) أنوار ج ١ ص ٣٠٩ ، شرح الكافية البديعية ص ٢٩٦.
(٥) الأعراف ١٨٢.
(٦) اللسان (درج) ، وينظر التعريفات ص ١٤.
(٧) المثل ج ٢ ص ٦٨.