يشير الى أنّه أخذ منه.
وذهب العلوي (١) الى ما ذهب اليه السابقان وذكر الآيات التي استشهدا بها ، ولكنه أضاف الى أمثلتهما شواهد أخرى من كلام النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ وكلام علي ـ رضياللهعنه ـ. وذكر أبياتا للمتنبي ، وقال إنّها من لطيف ما جاء في الاستدراج من المنظوم ، وذلك أنّ سيف الدولة كان مخيما بأرض الديار البكرية على مدينة ميافارقين ليأخذها فعصفت الريح بخيمته فأسقطتها فتطير الناس لذلك وقالوا إنه لا يأخذها فامتدحه المتنبي بقصيدة يعتذر فيها عن سقوط الخيمة ويستدرج ما أثّر ذلك في صدره بالازالة والمحو تقريبا لخاطره وتطييبا لنفسه فأجاد فيها كل الاجادة وأحسن في الاعتذار والاستدراج غاية الاحسان ، مطلعها :
أينفع في الخيمة العذّل |
وتشمل من دهرنا يشمل |
ومنها قوله :
تضيق بشخصك أرجاؤها |
ويركض في الواحد الجحفل |
|
وتقّصر ما كنت في جوفها |
وتركز فيها القنا الذبّل |
ثم قال :
وإنّ لها شرفا باذخا |
وإنّ الخيام بها تخجل |
|
فلا تنكرنّ لها صرعة |
فمن فرح النفس ما يقتل |
|
ولمّا أمرت بتطنيبها |
أشيع بانّك لا ترحل |
|
فما اعتمد الله تقويضها |
ولكن أشار بما تفعل |
|
وعرّف أنك من همّه |
وأنك في نصره ترفل |
|
فما العاندون وما أمّلوا |
وما الحاسدون وما قوّلوا |
|
هم يطلبون فمن أدركوا |
وهم يكذبون فمن يقبل |
|
وهم يتمنون ما يشتهو |
ن ومن دونه جدّك المقبل |
وكان ابن الاثير قد ذكر هذه الابيات شاهدا على المعاني البديعة التي جاء بها المتنبي (٢) ، ولم يذكرها في فن الاستدراج كما فعل العلوي.
وقال التنوخي : «ومن البيان الاستدراج ، وهو استمالة المخاطب بما يؤثره ويأنس اليه أو ما يخوّفه ويرعبه قبل أن يفاجئه المخاطب بما يطلب منه. وهذا بابا واسع ، وهو أن يقدم المخاطب ما يعلم أنّه يؤثر في نفس المخاطب من ترغيب وترهيب واطماع وتزهيد.
وأمزجة الناس تختلف في ذلك فينبغي أن يستمال كل شخص بما يناسبه وهذا لا يؤثر فيه التعليم إلا يسيرا ، بل ينبغي أن يكون في مزاج الانسان قوة تؤديه الى ذلك وهي تصرف في الكلام كتصرف الانسان في أحواله وأفعاله بما يعود عليه نفعه» (٣).
ونقل ابن الجوزية (٤) ما قاله ابن الأثير الذي ابتدع هذا الفن ، وذكر أمثلته من آيات الذكر الحكيم.
الاستدراك :
الاستدراك من استدرك الشيء بالشيء إذا حاول إدراكه به (٥). والاستدراك : «رفع توهم يتولد من الكلام السابق رفعا شبيها بالاستثناء وهو معنى «لكن» (٦) على أن تكون هناك نكتة طريفة لتحسنه
__________________
(١) الطراز ج ٢ ص ٢٨١.
(٢) المثل ج ١ ص ٣١٤.
(٣) الأقصى القريب ص ١٠٣.
(٤) الفوائد ص ٢١٢.
(٥) اللسان (درك) ، التعريفات ص ١٦.
(٦) أنوار ج ١ ص ٣٨٥.