وجمع السيوطي بين الاستدراك والاستثناء (١) ، وذكر لكل منهما مثالا خاصا وفصل بينهما في «شرح عقود الجمان» ووضع لكل واحد فصلا ، وعرّف الاستدراك بمثل ما عرفه المصري وذكر أمثلته (٢). وفعل مثل ذلك المدني (٣).
ومن أمثلة ابن المعتز قول بشار :
نبئت فاضح أمه يغتابني |
عند الأمير وهل عليّ أمير |
ومن أمثلة البغدادي قول زهير :
قف بالديار التي لم يعفها القدم |
بلى وغيّرها الأرواح والدّيم |
وقول الأعرابي :
أليس قليلا نظرة إن نظرتها |
إليك وكلا ليس منك قليل |
ومن أمثلة المصري وغيره قوله تعالى : (إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيا وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوى وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَلَوْ تَواعَدْتُمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعادِ وَلكِنْ لِيَقْضِيَ اللهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولاً ، لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ)(٤). فالله سبحانه أخبر عن الأمر الواقع بخبر أخرجته الفصاحة مخرج المثل ، وقوّى دليل الكلام بذكر العلة حيث قال بلفظ الاستدراك : (وَلكِنْ لِيَقْضِيَ اللهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولاً.)
ومنه قول ابن الدويدة المغربي فيمن أودعت عنده وديعة فادّعى ضياعها :
إن قال قد ضاعت فيصدق أنها |
ضاعت ولكن منك يعني لو تعي |
|
أو قال قد وقعت فيصدق أنها |
وقعت ولكن منه أحسن موقع |
وقال الأرجاني :
غالطتني إذ كست جسمي ضنى |
كسوة أعرت عن اللحم العظاما |
|
ثم قالت أنت عندي في الهوى |
مثل عيني ، صدقت لكن سقاما |
وقال ابن أبي حجلة :
شكوت الى الحبيبة سوء حظّي |
وما ألقاه من ألم البعاد |
|
فقالت أنت حظّك مثل عيني |
فقلت : نعم ، ولكن في السواد |
وقال المعري :
فيا دارها بالحزن إنّ مزارها |
قريب ولكن دون ذلك أهوال |
الاستدعاء :
الاستدعاء من استدعى ، وكان قدامة قد تحدث عن عيوب ائتلاف المعنى والقافية وقال : «ومن عيوب هذا الجنس أن يؤتى بالقافية لتكون نظيرة لاخواتها في السجع لا لأنّ لها فائدة في معنى البيت» (٥) كقول أبي عدي القرشي :
ووفيت الحتوف من وارث وا |
ل وأبقاك صالحا ربّ هود |
فليس نسبة هذا الشاعر الله ـ عزوجل ـ الى أنه «رب هود» بأجود من نسبته الى أنه «رب نوح» ولكن القافية كانت دالية فأتى بذلك للسجع لا لافادة معنى بما أتى به منه.
وسماه ابن رشيق الاستدعاء وقال عنه : «هو ألا يكون للقافية فائدة إلا كونها قافية فقط فتخلو حينئذ
__________________
(١) معترك ج ١ ص ٣٩٠ ، الاتقان ج ٢ ص ٨٨.
(٢) شرح عقود الجمان ص ١٣٢ ، وينظر الروض المريع ص ٩٧ ، نفحات ص ٩٧ ، شرح الكافية ص ١١٠.
(٣) أنوار ج ١ ص ٣٨٥.
(٤) الأنفال ٤٢.
(٥) نقد الشعر ص ٢٥٥.