لغيرهما آراء مختلفة. وتقسيم الاستعارة الى تصريحية ومكنية خير وأجدى في دراسة هذا الفن لأنّ ذلك عمدته ما دامت الاستعارة تقوم على التشبيه عند معظم البلاغيين ، ولكن التطور التأريخي لهذا الفن يقتضي الكلام على هذه الاقسام لتتضح مسيرة هذا الفن خلال الدراسات السابقة.
الاستعارة الاحتماليّة :
قال السّكّاكي : «هي أن يكون المشبّه المتروك صالح الحمل تارة على ما له تحقّق وأخرى على ما لا تحقّق له (١) ، أي انها تحتمل الوجهين ، وقد شرح السّكّاكي التّحقيقيّة وقال : «أن يكون المشبه المتروك شيئا متحققا اما حسيا وإما عقليا». فالاستعارة الاحتمالية ما احتملت ما له تحقق من وجه وما لا تحقق له من وجه آخر ، ونظيره قول زهير :
صحا القلب عن سلمى وأقصر باطله |
وعرّي أفراس الصّبا ورواحله |
أراد أن يبين أنه أمسك عما كان يرتكب أوان الصّبا وقمع النفس عن التلبس بذاك معرضا الاعراض الكلي عن المعاودة لسلوك سبيل الغي وركوب مراكب الجهل فقال : «وعري أفراس الصبا ورواحله» أي ما بقيت آلة من آلاتها المحتاج اليها في الركوب والارتكاب قائمة كأيما نوع فرضت من الانواع حرفة أو غيرها متى وطنت النفس على اجتنابه ورفع القلب رأسا عن دق بابه وقطع العزم عن معاودة ارتكابه فتقل العناية بحفظ ما قوام ذلك النوع به من الآلات والأدوات فترى يد التعطيل تستولي عليها فتهلك وتضيع شيئا فشيئا حتى لا تكاد تجد في أدنى مدة أثرا منها ولا عثيرا فبقيت لذلك معرّاة لا آلة ولا أداة فحق قوله : «أفراس الصبا ورواحله» أن يعد استعارة تخييلية لما يسبق الى الفهم ويتبادر الى الخاطر من تنزيل «أفراس الصّبا ورواحليه» منزلة أنياب المنية ومخالبها في قول الشاعر :
واذا المنية أنشبت أظفارها |
ألفيت كلّ تميمة لا تنفع |
وإن كان يحتمل احتمالا بالتكلف أن تجعل الافراس والرواحل عبارة عن دواعي النفوس وشهواتها والقوى الحاصلة لها في استيفاء اللذات أو عن الاسباب التي قلما تتآخذ في اتباع الغي وجر أذيال البطالة إلا أو ان الصبا. وكذلك قوله تعالى : (فَأَذاقَهَا اللهُ لِباسَ الْجُوعِ)(٢) الظاهر من اللباس الحمل على التخييل وإن كان يحتمل أن يحمل على التحقيق ، وهو أن يستعار لما يلبسه الانسان عند جوعه من انتقاع اللون ورثاثة الهيئة (٣).
فالاستعارة في البيت والآية الكريمة تحتمل التخييل وتحتمل التحقيق فهي اما تخييلية أو تحقيقية.
الاستعارة الأصليّة :
الاستعارة الأصليّة هي التي تكون في أسماء الأجناس غير المشتقّة ويكون معنى التّشبيه داخلا في المستعار دخولا أوّليّا (٤). وقد أوضح السّكاكّي معناها بقوله : «هي أن يكون المستعار اسم جنس كرجل وكقيام وقعود. ووجه كونها أصلية هو أنّ الاستعارة مبناها على تشبيه المستعار له بالمستعار منه» (٥). والى ذلك ذهب ابن مالك والقزويني والسبكي والتفتازاني والسيوطي والاسفراييني والمدني والمغربي (٦). ومنها
__________________
(١) مفتاح العلوم ص ١٧٦.
(٢) النحل ١١٢.
(٣) مفتاح ص ١٧٨ ، الايضاح ص ٣١٠ ، التلخيص ص ٣٢٨ ، شروح التلخيص ج ٤ ص ١٦١ ، المطول ص ٣٨٥ ، الاطول ج ٢ ص ١٥٠.
(٤) نهاية الايجاز ص ٨٩ ، البرهان الكاشف عن اعجاز القرآن ص ١١٢ ، التبيان في البيان ص ١٨٩.
(٥) مفتاح العلوم ص ١٧٩ ، وتنظر ص ١٧٦.
(٦) المصباح ص ٦٥ ، الايضاح ص ٢٩٨ ، التلخيص ص ٣١٤ ، عروس الافراح ج ٤ ص ١٠٨ ، المطول ص ٣٧٦ المختصر ج ٤ ص ١٠٨ ، ـ ـ معترك ج ١ ص ٢٨٠ ، شرح عقود الجمان ص ٩٥ ، الاطول ج ٢ ص ١٣٦. أنوار الربيع ج ١ ص ٢٤٦ ، مواهب الفتاح ج ٤ ص ١٠٨.