الغداة شبه المالك تصريف الشيء بيده واجراءه على موافقته وجذبه نحو الجهة التي تقتضيها طبيعته وتنحوها ارادته. فأنت ـ كما ترى ـ تجد الشبه المنتزع ههنا إذا رجعت الى الحقيقة ووضعت الاسم المستعار في موضعه الأصلي لا يلقاك من المستعار نفسه بل مما يضاف اليه. ألا ترى أنك لم ترد أن تجعل الشمال كاليد ومشبهة باليد كما جعلت الرجل كالأسد ومشبها بالأسد ولكنك أردت أن تجعل الشمال كذي اليد من الاحياء. فأنت تجعل في هذا الضرب المستعار له وهو نحو الشمال ذا شيء وغرضك أن تثبت له حكم من يكون له ذلك الشيء في فعل أو غيره لا نفس ذلك الشي فاعرفه» (١).
وذكر فرقا آخر لخصه بقوله : «وطريقة أخرى في بيان الفرق بين القسمين وهو أنّ الشبه في القسم الأول الذي هو نحو «رأيت أسدا» «تريد رجلا شجاعا» ، وصف موجود في الشي الذي استعرت اسمه وهو الاسد. وأما قولك : «إذ أصبحت بيد الشمال زمامها» فالشبه الذي له استعرت اليد ليس بوصف في اليد ولكنه صفة تكسبها اليد صاحبها وتحصل له بها ، وهي التصرف على وجه مخصوص» (٢).
وكان ما ذهب اليه عبد القاهر منطلق البلاغيين في تحديد الاستعارة المكنية ، وقد قال الرازي : «هذا إذا لم يصرح بذكر المستعار بل ذكر بعض لوازمه تنبيها به عليه» (٣).
وقال السّكاكيّ : «هي أن تذكر المشبّه وتريد به المشبّه به دالّا على ذلك بنصب قرينة تنصبها وهي أن تنسب اليه وتضيف شيئا من لوازم المشبّه به المساوية» (٤) وقال ابن مالك : «هي أن تذكر المشبّه وتريد المشبّه به وتدلّ بمثل شيء من لوازمه إلى المشبّه» (٥).
ونقل النويري وابن قيّم الجوزيّة والزركشي تعريف الرازي (٦) ، وقال الحلبي ولم يسمّها : «الثاني أن تعتمد لوازمه عند ما يكون جهة الاشتراك وصفا انما ثبت له كما في المستعار منه بواسطة شيء آخر فتثبت ذلك الشيء للمستعار له مبالغة في اثبات المشترك» (٧).
وقال القزويني : «قد يضمر التشبيه في النفس فلا يصرّح بشيء من أركانه سوى لفظ المشبه ويدل عليه بان يثبت للمشبه أمر مختص بالمشبه به من غير أن يكون هناك أمر ثابت حسا أو عقلا أجري عليه اسم ذلك الأمر ، فيسمى التشبيه استعارة بالكناية أو مكنيا عنها واثبات ذلك الأمر للمشبه استعارة تخييلية» (٨) ولم يخرج البلاغيون بعد ذلك عن هذا التعريف (٩).
الاستعارة التّبعيّة :
هي أن لا يكون معنى التشبيه داخلا دخولا أوّليّا ، وهي كما قال السّكاكيّ : «ما تقع في غير أسماء الأجناس كالأفعال والصّفات المشتّقة منها وكالحروف» (١٠) وقال ابن مالك : «هي ما تقع في الأفعال والصّفات والحروف فإنّها لا توصف فلا تحتمل الاستعارة بأنفسها وإنّما المحتمل لها في الأفعال والصّفات مصادرها وفي الحروف متعلّقات معانيها فتقع الاستعارة هناك ثم تسري في هذه الأشياء» (١١) وذلك أنّ الاستعارة تعتمد التشبيه ، والتشبيه يعتمد كون المشبه موصوفا ، وانما يصلح
__________________
(١) أسرار البلاغة ص ٤٤.
(٢) أسرار ص ٤٨.
(٣) نهاية الايجاز ص ٩٢
(٤) مفتاح العلوم ص ١٧٩.
(٥) المصباح ص ٦٤.
(٦) نهاية الارب ج ٧ ص ٥٥ ، الفوائد ص ٥٣ ، البرهان في علوم القرآن ج ٣ ص ٤٣٨.
(٧) حسن التوسل ص ١٣٤.
(٨) الايضاح ص ٣٠٩ ، التلخيص ص ٣٢٤.
(٩) شروح التلخيص ج ٤ ص ١٨٣ ، المطول ص ٣٨١ ، الأطول ج ٢ ص ١٤٩ ، معترك الأقران ج ١ ص ٢٨١ ، الاتقان ج ٢ ص ٤٥ ، شرح عقود الجمان ص ٩٨ ، أنوار ج ١ ص ٢٥٢ ، التبيان في البيان ص ١٩١.
(١٠) مفتاح ص ١٨٠ ، وتنظر ص ١٧٦.
(١١) المصباح ص ٦٥.