وموضعها حيث يكون اختصاص الاسم بما وضع له من طريق أريد به التوسع في أوضاع اللغة والتنوّق في مراعاة دقائق في الفروق في المعاني المدلول عليها كوضعهم للعضو الواحد أسامي كثيرة بحسب اختلاف أجناس الحيوان نحو وضع الشفة للانسان والمشفر للبعير والجحفلة للفرس وما شاكل ذلك من فروق. فاذا استعمل الشاعر منها في غير الجنس الذي وضع له فقد استعاره منه ونقله عن أصله وجاز به موضعه كقول الشاعر :
فبتنا جلوسا لدى مهرنا |
ننزّع من شفتيه الصفارا (١) |
فاستعمل الشفة في الفرس وهي موضوعة للانسان.
وقد علّق عبد القاهر على ذلك بقوله : «فهذا ونحوه لا يفيدك شيئا لو لزمت الأصلي لم يحصل لك ، فلا فرق من جهة المعنى بين قوله : «من شفتيه» وقوله : «من جحفلته» لو قاله ، إنما يعطيك كلا الاسمين العضو المعلوم فحسب بل الاستعارة ههنا بأن تنقصك جزء من الفائدة أشبه وذلك أنّ الاسم في هذا النحو إذا نفيت عن نفسك دخول الاشتراك عليه بالاستعارة دلّ ذكره على العضو وما هو منه. فاذا قلت : «الشفة» دلّ على الانسان ، أعني يدلّ على أنك قصدت هذا العضو من الانسان دون غيره. فاذا توهمت جري الاستعارة في الاسم زالت عنها هذه الدلالة بانقلاب اختصاصها الى الاشتراك. فاذا قلت : «الشفة» في موضع قد جرى فيه ذكر الانسان والفرس دخل على السامع بعض الشبهة لتجويزه أن تكون استعرت الاسم للفرس. ولو فرضنا أن تعدم هذه الاستعارة من أصلها وتحظر لما كان لهذه الشبهة طريق الى المخاطب فاعرفه» (٢).
وليس الأمر كذلك بل قد يكون هذا النوع من الاستعارة مفيدا ـ يحقق غرضا من الأغراض التي يسعى اليها الشاعر أو الكاتب كالتحقير والتحبيب والتزيين ، أو تقتضي ضرورة الشعر ذلك ، كما في البيت السابق فان الشاعر لم يستطع أن يأتي بلفظة «الجحفلة» لأنّ الوزن يختل ، وقد يكون أراد رسم صورة جميلة لمهره فشبهه بالطفل وسمّى جحفلته شفة. وكثيرا ما نجد مثل ذلك في كلام الناس ، ولم يخف ذلك على عبد القاهر ، فقد أشار الى أنّ ضرورة الشعر قد تضطر الشاعر الى أن يذكر كلمة أخرى غير الموضوعة في الأصل كما في قول المزرّد :
فما رقد الولدان حتى رأيته |
على البكر يمريه بساق وحافر (٣) |
وأراد أن يقول : «بساق وقدم» ولكن لم تطاوعه القافية.
وقد يجيء للذم كما يقال : «إنّه لغليظ الجحافل وغليظ المشافر» كما قال الفرزدق :
فلو كنت ضبيا عرفت قرابتي |
ولكنّ زنجيا غليظ المشافر |
الاستعارة في الأسماء :
تتم أقسام الاستعارة المختلفة بطريق الاسم أو الفعل ، وكان عبد القاهر قد تحدث عن هذين القسمين ، وقرر أنّ اللفظة إذا دخلتها الاستعارة فانها لا تخلو من أن تكون اسما أو فعلا ، واذا كانت اسما فانه يقع مستعارا على قسمين :
أحدهما : أن ينقل عن مسماه الأصلي الى شيء آخر ثابت معلوم ويجرى عليه ، ويجعل متناولا تناول الصفة للموصوف. ومثل ذلك : «رأيت أسدا» أي :رجلا شجاعا ، و «عنّت لنا ظبية» أي : امرأة.
وثانيهما : أن يؤخذ الاسم عن حقيقته ويوضع موضعا لا يبين فيه شيء يشار اليه فيقال هذا هو المراد بالاسم والذي استعير له وجعل خليفة لاسمه الاصلي ونائبا منابه ومثاله قول لبيد :
__________________
(١) الصفار ؛ ما بقي في أسنان الدابة من التبن وغيره.
(٢) أسرار البلاغة ص ٣٠.
(٣) البكر ؛ الفتي من الأبل. يمري ؛ يحفزه ليسرع.