وغداة ريح قد كشفت وقرة |
إذ أصبحت بيد الشمال زمامها (١) |
وذلك أنّه جعل للشمال يدا ، ومعلوم أنّه ليس هناك مشار اليه يمكن أن تجري اليد عليه كاجراء الأسد والسيف على الرجل في مثل : «انبرى لي أسد يزأر» و «سللت سيفا على العدو لا يفلّ» : والظباء على النساء في «من الظباء الغيد» والنور على الهدى والبيان في «أبديت نورا ساطعا».
والفرق بين القسمين أنّ التشبيه في الأول يأتي عفوا ، ولا يأتي في الثاني إلا بعد التأمل والتفكير (٢).
وقد أوضح المتأخرون ما يجري من الاستعارة في الاسم فقالوا إنّ الاسماء ثلاثة : الاول : الاسم العلم ولا مدخل للمجاز فيه ؛ لأنه في جميع مواقعه أصل ، ومن حق المجاز أن يكون مسبوقا بوضع أصلي ثم ينقل عنه ، ومن حق المجاز أن يكون بينه وبين ما نقل عنه علاقة يحسن لأجلها التجوز والنقل. وهذا غير موجود في الأعلام ، ولكنهم جوزوا ذلك في الأعلام التي اشتهرت بنوع من الوصف مثل حاتم في «رأينا اليوم حاتما» أي : رجلا كاملا الجود.
الثاني : الاسم المصدر وهو المشتق منه ، وقد يدخله المجاز إذا وقع في غير موضعه مثل : «رجل عدل» وغير ذلك من المشتقات والصفات.
الثالث : اسم الجنس ، وأكثر ما يرد المجاز في المفرد منه مثل «أسد» و «بحر» و «ليث» وغير ذلك من الاسماء المفردة.
وقد تدخل الاستعارة في أسماء الاشارة كقوله تعالى : (هذا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ)(٣) ، فقوله :(هذا) استعارة لأنّه إنّما يستعمل حقيقة فيما كان قريبا مشارا اليه ، فالمجاز في الاشارة داخل هنا فيما يعرض من أحواله في القرب والبعد (٤).
الاستعارة في الأفعال :
تحدث عبد القاهر عنها وقال إنّ الفعل إذا استعير لما ليس له في الاصل فانّه يثبت باستعارته له وصفا هو شبيه بالمعنى الذي اشتق الفعل منه. ففي «نطقت الحال بكذا» و «أخبرتني أسارير وجهه بما في ضميره» و «كلمتني عيناه بما يحوي قلبه» نجد في الحال وصفا هو شبيه بالنطق من الانسان وذلك أنّ الحال تدلّ على الأمر ويكون فيها أمارات يعرف بها الشيء كما أنّ النطق كذلك ، وكذلك العين فيها وصف شبيه بالكلام وهو دلالتها بالعلامات التي تظهر فيها وفي نظرها وخواص أوصاف يحدس بها على ما في القلوب من الانكار والقبول.
قال عبد القاهر موضحا ذلك : «واذا كان أمر الفعل في الاستعارة على هذه الجملة رجع بنا التحقيق الى أنّ وصف الفعل بأنه مستعار حكم يرجع الى مصدره الذي اشتق منه. فاذا قلنا في قولهم : «نطقت الحال» إنّ «نطق» مستعار فالحكم بمعنى أنّ النطق مستعار ، واذا كانت الاستعارة تنصرف الى المصدر كان الكلام فيه على ما مضى» (٥).
والفعل يكون استعارة مرة من جهة فاعله الذي رفع به نحو «نطقت الحال بكذا» و «أخبرتني أسارير وجهه بما في ضميره» و «كلمتني عيناه بما يحوي قلبه».
ويكون أخرى استعارة من جهة مفعوله كقول ابن المعتز :
جمع الحقّ لنا في إمام |
قتل البخل وأحيا السّماحا |
ف «قتل» و «أحيا» إنّما صارا مستعارين بأن عدّيا الى البخل والسّماح ، ولو قال : «قتل الأعداء وأحيا» لم يكن «قتل» استعارة بوجه ولم يكن «أحيا» استعارة
__________________
(١) القر ؛ البرد ، قرة ؛ باردة.
(٢) أسرار البلاغة ص ٤٢ ، ٢٢٢.
(٣) ص ٥٥.
(٤) نهاية الايجاز ص ٨٧ ، البرهان الكاشف ص ١١٢ ، الطراز ج ١ ص ٨٨.
(٥) أسرار البلاغة ص ٥٠.