أخلاقهم وعاداتهم ، فانّ الحكم بنجاستهم يوجب تنفر المسلمين عنهم لئلا يبتلى برطوباتهم في البدن واللباس حتى يحتاجون إلى التطهير للصلاة وغيرها ، فيأمنون من أخلاقهم الردية وعاداتهم الرذيلة ، ولم يراع المسلمون في يومنا هذا الحكم ، حتى صاروا متخلّقين بأخلاقهم ، وصاروا بمنزلتهم في المآكل والمشارب.
ويمكن أن يكون الحكم بنجاسة الخمر أيضاً بهذا الملاك وهو التنفر ، فبعد حكم الشارع بحرمته حكم بنجاسته أيضاً ليوجب التنفر عنه ، وهذا المعنى مراد الشهيد قدسسره من عبارته التي نقلها الشيخ قدسسره في المكاسب (١) من أنّ النجاسة ما حرم استعماله في الصلاة والأغذية للاستقذار أو للتوصل بها إلى الفرار ، فالظاهر أنّ مراده من التوصل بها إلى الفرار هو ما ذكرناه.
وثالثاً : أنّه لا يمكن القول بأنّ الحكم بالطهارة إخبار عن النظافة الواقعية في الطهارة الظاهرية ، إذ الحكم بطهارة الشيء المشكوك فيه الذي يمكن أن يكون نجساً في الواقع لا يمكن أن يكون إخباراً عن النظافة الواقعية ، ولا بدّ من القول بمجعولية الطهارة في مثله.
فتحصّل : أنّ الصحيح كون الطهارة مجعولةً من قبل الشارع ، غاية الأمر أنّ الطهارة الواقعية مجعولة للشيء بعنوانه الأوّلي ، والطهارة الظاهرية مجعولة له بعنوان أنّه مشكوك فيه.
ومنها : الصحة والفساد ، فهل هما مجعولتان مطلقاً أو ليستا بمجعولتين كذلك ، أو يفصّل بين العبادات والمعاملات بالالتزام بعدم الجعل في الاولى ، والجعل في الثانية؟ فيه خلاف.
__________________
(١) المكاسب ١ : ١٠٠.