التنبيه الثاني
لا ينبغي الاشكال في أن مقتضى أدلة الاستصحاب هو اعتبار اليقين والشك الفعلي ، فانّ الأدلة المتكفلة لبيان الأحكام الواقعية أو الظاهرية واردة بنحو القضية الحقيقية التي يحكم فيها على تقدير وجود الموضوع ، فلو دل دليل على أنّ الخمر حرام ، مفاده أنّ الحرمة ثابتة للخمر الفعلي ، ولا يدل على حرمة شيء لا يكون خمراً بالفعل وإن كان إذا غلا يكون خمراً.
وكذا لو دل دليل على وجوب تقليد العالم مثلاً ، فمعناه وجوب تقليد العالم بالفعل لا تقليد من يكون له استعداد العلم بحيث لو تعلّم يصير عالماً كما هو واضح ، فلا بدّ في جريان الاستصحاب من اليقين والشك الفعلي ، إذ لو اجري الاستصحاب مع الشك التقديري لكان جارياً مع عدم الشك ، وهو خلف ، لكون موضوعه اليقين والشك.
وفرّع الشيخ (١) قدسسره على اعتبار اليقين والشك الفعلي في جريان الاستصحاب فرعين ، وتبعه صاحب الكفاية قدسسره (٢).
الفرع الأوّل : أنّه لو كان أحد محدثاً فغفل وصلّى ثمّ شك في أنّه تطهّر قبل الصلاة أم لا ، فيجري استصحاب الحدث بالنسبة إلى الأعمال الآتية ، وأمّا بالنسبة إلى الصلاة التي أتى بها فلا يجري استصحاب الحدث ، لأنّه كان غافلاً قبل الصلاة ولم يكن له الشك الفعلي حتى تكون صلاته واقعة مع الحدث
__________________
(١) فرائد الاصول ٢ : ٥٤٧ و ٥٤٨.
(٢) كفاية الاصول : ٤٠٤.