(وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا ...)(١) فيكون وجوب الوضوء مختصاً بغير الجنب ، فانّ التقسيم قاطع للشركة ، فالمكلف بالوضوء هو كل محدث لا يكون جنباً ، فهذا الذي قام من نومه ويحتمل كونه جنباً حين النوم تجري في حقّه أصالة عدم تحقق الجنابة ، فكونه محدثاً محرزٌ بالوجدان ، وكونه غير جنب محرز بالتعبد الشرعي ، فيدخل تحت قوله تعالى : (فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ ...) فيكون الوضوء في حقه رافعاً للحدث ، ولا مجال لجريان الاستصحاب في الكلي ، لكونه محكوماً بالأصل الموضوعي.
ثمّ إنّه قد استثنى الشيخ قدسسره (٢) صورة اخرى من القسم الثالث والتزم بجريان الاستصحاب فيها ، وهي ما يتسامح فيه العرف ، فيعدّون الفرد اللاحق مع الفرد السابق كالمستمر الواحد ، كما إذا علم السواد الشديد في محل وشك في تبدله بسواد ضعيف أو بالبياض ، فيستصحب مطلق السواد ، وكذالو كان الشخص في مرتبة عالية من العدالة ، وشك في تبدلها بالفسق أو بمرتبة نازلة من العدالة ، فيجري الاستصحاب في مطلق العدالة.
وفيه : أنّ جريان الاستصحاب في مثل الأمثلة المذكورة وإن كان مما لا إشكال فيه ، إلاّأ نّه لا يصح عدّه من القسم الثالث من استصحاب الكلي ، فانّه بعد كون الفرد اللاحق هو الفرد السابق بنظر العرف وكون الشدة والضعف من الحالات ، يكون الاستصحاب من الاستصحاب الجاري في الفرد ، أو القسم الأوّل من استصحاب الكلي إذا كان الأثر له لا لخصوصية الفرد.
__________________
(١) المائدة ٥ : ٦.
(٢) فرائد الاصول ٢ : ٦٤٠ و ٦٤١.