وظهر بما ذكرناه عدم إمكان شمول دليل واحد للاستصحاب وقاعدة المقتضي والمانع أيضاً ، مع قطع النظر عما ذكرناه سابقاً (١) ، فان قاعدة المقتضي والمانع أيضاً معارضة بالاستصحاب دائماً ، فلا يمكن شمول دليل واحد لكليهما.
الأمر الثاني : أنّه لا إشكال ولا خلاف في عدم جريان الاستصحاب مع قيام الأمارة على ارتفاع المتيقن ، بل يجب العمل بها ، وإنّما الكلام في وجه تقديم الأمارة على الاستصحاب ، وأ نّه من باب التخصيص أو الورود أو الحكومة ، فذهب بعضهم إلى أنّه من باب التخصيص ، بدعوى أنّ النسبة بين أدلة الاستصحاب وأدلة الامارات وإن كانت هي العموم من وجه ، إلاّأ نّه لا بدّ من تخصيص أدلة الاستصحاب بأدلة الأمارات وتقديمها عليها ، لأنّ النسبة المتحققة بين الأمارات والاستصحاب هي النسبة بينها وبين جميع الاصول العملية ، فلو عمل بالاصول لم يبق مورد للعمل بالأمارات ، فيلزم إلغاؤها ، إذ من الواضح أنّه لا يوجد مورد من الموارد إلاّوهو مجرى لأصل من الاصول العملية مع قطع النظر عن الأمارة القائمة فيه.
وفيه أوّلاً : أنّ أدلة الاستصحاب في نفسها بعيدة عن التخصيص ، فان ظاهر قوله عليهالسلام : «ليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشك» (٢) إرجاع الحكم إلى قضية ارتكازية ، وهي عدم جواز رفع اليد عن الأمر المبرم بأمر غير مبرم ، وهذا المعنى آبٍ عن التخصيص ، إذ مرجعه إلى أنّه في مورد خاص يرفع اليد عن الأمر المبرم بأمر غير مبرم ، وهو خلاف الارتكاز. ونظير المقام أدلة حرمة العمل بالظن ، فانّ مثل قوله تعالى : (إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ*
__________________
(١) في ص ٢٨٦.
(٢) تقدّمت الرواية في ص ٥٨.