الكلام في المقام الثاني ، وهو ذكر الدليل للتفصيل بين الشك في المقتضي والشك في الرافع في حجية الاستصحاب ، فنقول : الوجه في هذا التفصيل ـ على ما يستفاد من ظاهر كلام الشيخ (١) قدسسره كما فهمه صاحب الكفاية (٢) وغيره ـ أنّ المراد من اليقين في قوله عليهالسلام : «لا تنقض اليقين بالشك» هو المتيقن ، ففي موردٍ يكون المتيقن مما له دوام في نفسه يكون أمراً مبرماً مستحكماً ويصح إسناد النقض إليه ، وفي موردٍ لا يكون المتيقن كذلك لا يصح إسناد النقض إليه ، لأنّ النقض حلّ شيء مبرم مستحكم ، كما في قوله تعالى : (كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَها مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكاثاً)(٣) فلا يكون مشمولاً لقوله عليهالسلام : «لا تنقض اليقين بالشك».
ويرد عليه : ما في الكفاية من أنّه لا وجه لارتكاب المجاز بارادة المتيقن من لفظ اليقين مع صحة إرادة نفس اليقين وصحة إسناد النقض إليه بما له من الابرام والاستحكام ، ولكن يمكن أن يكون مراد الشيخ قدسسره ما نذكره ـ وإن كان ظاهر عبارته قاصراً عنه ـ وهو أنّ المراد من لفظ اليقين هو نفس اليقين لا المتيقن ، لما فيه من الابرام والاستحكام كما في الكفاية ، فانّ اليقين بمعنى الثابت من اليقن بمعنى الثبوت ، فيصح إسناد النقض إليه دون العلم والقطع ، وإن كان الجميع حاكياً عن شيء واحد وهو الصورة الحاصلة من الشيء في النفس ، إلاّأنّ العلم يطلق باعتبار انكشاف هذا الشيء في قبال الجهل ، والقطع يطلق باعتبار الجزم القاطع للتردد والحيرة ، واليقين يطلق باعتبار كون هذا
__________________
(١) فرائد الاصول ٢ : ٥٧٤ و ٥٧٥.
(٢) كفاية الاصول : ٣٩٠.
(٣) النحل ١٦ : ٩٢.