العقلية عدم البيان ، ومع حكم الشارع بالبناء على الحالة السابقة يثبت البيان ، وينتفي موضوع حكم العقل بالبراءة. وكذا الكلام في سائر الاصول العقلية من الاحتياط والتخيير.
وأمّا الاصول الشرعية ، فحال الاستصحاب معها حال الأمارات مع الاستصحاب في أنّ تقدمه عليها من باب الحكومة ، ووجهه يظهر مما تقدم ، ولا سيما مع كونه من الأمارات في الحقيقة.
المرحلة الثالثة : في تعارض الاستصحابين ، وقبل التعرض لحكم تعارض الاستصحابين لا بدّ من التنبيه على أمر قد تقدم ذكره في بحث الترتب (١) وهو : أنّ تنافي الحكمين تارةً يكون في مقام الجعل ، وهو على قسمين : أحدهما أن يكون التنافي بينهما ذاتياً بحيث يلزم من جعلهما اجتماع النقيضين أو الضدين ، كما إذا دار الأمر بين وجوب شيء وعدم وجوبه ، أو بين وجوب شيء وحرمته.
ثانيهما : أن يكون التنافي بينهما عرضياً ، كما في دوران الأمر بين وجوب الظهر والجمعة ، إذ لا منافاة بين وجوب الظهر ووجوب الجمعة ذاتاً بحيث يلزم من اجتماعهما محذور اجتماع النقيضين أو الضدين ، إلاّأ نّه بعد العلم الاجمالي بعدم جعل أحدهما ، يكون جعل أحدهما منافياً لجعل الآخر ، ولذا يسمى بالتنافي العرضي. والحكم في كليهما الرجوع إلى المرجحات السندية ، وسيأتي الكلام فيها في مبحث التعادل والترجيح (٢) إن شاء الله تعالى.
واخرى يكون التنافي بين الحكمين في مقام الامتثال لعدم قدرة المكلف على امتثالهما ، والحكم فيه وجوب الأخذ بالأهم ، أو بما لا بدل له ، أو ما اخذت فيه
__________________
(١) محاضرات في اصول الفقه ٣ : ١ وما بعدها.
(٢) في ص ٤٩٥ وما بعدها.