الشك في وجود الركوع ، لما ذكرناه من أنّ الشك في الصحة دائماً ناشئ من الشك في وجود الجزء أو الشرط ، فبعد الحكم بوجود الركوع لقاعدة التجاوز ، لا يبقى شك في صحة الصلاة حتى يكون مورداً لمفهوم قاعدة الفراغ ، ويقع التدافع بينه وبين منطوق قاعدة التجاوز. وكذا الحال في الشك في صحة كل جزء لأجل الشك في وجود جزء آخر ، فانّ الشك في تحقق الركوع في المثال يوجب الشك في صحة السجود ، إذ يشترط في السجود وقوعه بعد الركوع ، فالشك في صحة السجود وإن كان مورداً لمفهوم قاعدة الفراغ ويجب الاعتناء به لكونه قبل الفراغ ، إلاّأ نّه حيث يكون مسبباً عن الشك في تحقق الركوع ، ومقتضى قاعدة التجاوز التعبد بوجوده ، وبه يرتفع الشك في صحة السجود ، فان صحة السجود من الآثار الشرعية للتعبد بوجود الركوع.
والذي تحصّل مما ذكرناه في المقام إمكان كون القاعدتين قاعدةً واحدةً بارجاع قاعدة الفراغ إلى قاعدة التجاوز ، لرجوع الشك في الصحة إلى الشك في الوجود على ما ذكرناه.
والتزم المحقق النائيني (١) قدسسره بوحدة القاعدتين على عكس ما ذكرناه ، وأرجع قاعدة التجاوز إلى قاعدة الفراغ ، بيانه : أنّ قاعدة الفراغ قاعدة كلية ، ومفادها عدم الاعتناء بالشك في صحة المركب بعد الفراغ منه ، ولا اختصاص لها بباب دون باب. وقاعدة التجاوز قاعدة مجعولة في خصوص باب الصلاة ، ومفادها عدم الاعتناء بالشك في جزء بعد التجاوز عنه والدخول في جزء آخر ، فأدلة قاعدة التجاوز قد ألحقت الجزء بالكل في عدم الاعتناء بالشك فيه بعد الدخول في الجزء الآخر في خصوص باب الصلاة ، فهي حاكمة
__________________
(١) أجود التقريرات ٤ : ٢١٦ ـ ٢١٧ ، فوائد الاصول ٤ : ٦٢٣ ـ ٦٢٥.