الأمر الرابع : هل يشترط جريان قاعدة الفراغ والتجاوز بعدم العلم بالغفلة حين العمل ليكون احتمال الفساد من جهة احتمال الغفلة ، واحتمال الصحة لاحتمال عدم الغفلة ، أم تجري حتى مع العلم بالغفلة حين العمل ، فيكون احتمال الصحة من جهة احتمال مصادفة الواقع من باب الاتفاق؟
ذهب جماعة منهم المحقق النائيني قدسسره (١) إلى الثاني ، لاطلاق النصوص ، كقوله عليهالسلام في موثقة ابن بكير : «كل ما شككت فيه مما قد مضى فأمضه كما هو» (٢).
والتحقيق هو الأوّل ، لعدم إطلاق في النصوص من هذه الجهة ، لما ذكرناه سابقاً (٣) من أنّ قاعدة الفراغ والتجاوز ليستا من القواعد التعبدية ، بل من الامور الارتكازية العقلائية ، فان سيرة العقلاء جارية على عدم الاعتناء بالشك في العمل بعد وقوعه ، باعتبار أنّ الغالب عدم وقوع الغفلة حين الاشتغال بالعمل ، فيكون مرجع قاعدة الفراغ إلى أصالة عدم الغفلة الكاشفة نوعاً عن صحة العمل ، فلا مجال لجريانها مع العلم بالغفلة. وقد ذكرنا سابقاً أنّ الأدلة الشرعية وافية بهذا المعنى ، ولذا استظهرنا منها كون القاعدة من الأمارات لا من الاصول التعبدية.
وعلى تقدير تسليم الاطلاق للنصوص يكون التعليل الوارد في بعض الأدلة مقيداً له ، وهو قوله عليهالسلام : «هو حين يتوضأ أذكر منه حين يشك» (٤)
__________________
(١) أجود التقريرات ٤ : ٢٣٨ ـ ٢٣٩ ، فوائد الاصول ٤ : ٦٥٠.
(٢) الوسائل ٨ : ٢٣٧ ـ ٢٣٨ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٢٣ ح ٣.
(٣) في أوّل البحث ص ٣١٥.
(٤) الوسائل ١ : ٤٧١ / أبواب الوضوء ب ٤٢ ح ٧.