فتلخّص مما ذكرناه : اختصاص جريان قاعدة الفراغ بموارد احتمال الغفلة ، إذ لم يدل دليل على جريانها مع العلم بالغفلة والنسيان حال العمل.
الأمر الخامس : أنّ الشك في صحة العمل وفساده بعد الفراغ منه يتصور على وجوه ثلاثة :
الوجه الأوّل : أن يكون منشأ الشك احتمال عدم صدور الأمر من المولى ، فانّ صحة العبادة متوقفة على أمرين : صدور الأمر من المولى ، وتطبيق المأمور به على المأتي به. ولا إشكال في عدم جريان قاعدة الفراغ في هذا القسم ، فان قاعدة الفراغ على ما ذكرناه (١) أمارة على وقوع الفعل من المكلف تاماً من حيث الأجزاء والشرائط ، فلا كاشفية لها بالنسبة إلى فعل المولى وصدور الأمر منه.
ويدل على ما ذكرناه مع وضوحه : التعليل الوارد في بعض الروايات المتقدمة من كونه أذكر حين العمل أو أقرب إلى الحق ، إذ من المعلوم أنّ كونه أذكر حين العمل إنّما هو بالنسبة إلى عمله الصادر منه لا بالنسبة إلى فعل المولى وصدور الأمر منه ، كما هو ظاهر. ويتفرع على هذا أنّه لو اغتسل أحد للجنابة ، ثمّ شك في أنّه كان جنباً ليصح غسله أم لا ، لا مجال للحكم بصحته استناداً إلى قاعدة الفراغ ، فلا يجوز له الدخول في الصلاة إلاّبالوضوء. وكذالو شك في صحة الصلاة بعد الفراغ منها للشك في دخول الوقت وعدمه.
الوجه الثاني (٢) : أن يكون منشأ الشك في صحة العمل هو الشك في تطبيق
__________________
(١) في أوّل هذا البحث ص ٣١٥.
(٢) [ويتضمن الوجه الثالث أيضاً].