ما كان التنافي بينهما باعتبار مفهومهما العرفي بالمطابقة أو بالالتزام على ما ذكرناه.
والمراد بالتنافي العرضي ما كان التنافي بينهما من جهة أمر خارج عن مدلولهما العرفي ، كالعلم الاجمالي بعدم مطابقة أحدهما للواقع ، كما إذا دلّ دليل على وجوب صلاة الجمعة يوم الجمعة تعييناً ، والآخر على وجوب صلاة الظهر فيه كذلك ، فانّه لا منافاة بينهما بحسب المفهوم العرفي ، لامكان وجوب كلتيهما ، إلاّ أنّا نعلم بالضرورة من الدين عدم وجوب صلوات ست في يوم واحد ، فلأجل هذا العلم يكون الدليل الدال على وجوب صلاة الجمعة نافياً لوجوب صلاة الظهر بالالتزام ، والدليل على وجوب صلاة الظهر نافياً لوجوب صلاة الجمعة كذلك.
وظهر بما ذكرناه من معنى التعارض : أنّ موارد التخصص والورود والحكومة والتخصيص خارجة عن التعارض ، لعدم التنافي بين مدلول دليلين في هذه الموارد.
أمّا مورد التخصص ، فخروجه عن التعارض واضح ، فانّ التخصص هو خروج موضوع أحد الدليلين عن موضوع الآخر بالوجدان ، فلا مجال لتوهم التنافي بين الدليلين أصلاً ، فاذا دل دليل على حرمة الخمر مثلاً ، لا مجال لتوهم التنافي بينه وبين ما يدل على حلية الماء ، إذ الماء خارج عن موضوع الخمر بالوجدان.
وكذا الورود ، فانّه أيضاً عبارة عن الخروج الموضوعي بالوجدان ، غاية الأمر أنّ الخروج المذكور من جهة التعبد الشرعي ، توضيح ذلك : أنّه بالتعبد الشرعي يتحقق أمران : أحدهما تعبدي والآخر وجداني. أمّا الأمر التعبدي فهو ثبوت المتعبد به ، فانّه ليس بالوجدان بل بالتعبد. وأمّا الأمر الوجداني فهو نفس التعبد ، فانّه ثابت بالوجدان لا بالتعبد وإلاّ يلزم التسلسل ، ولذا ذكرنا في