محلّه (١) أنّ حجية كل أمارة ظنية لا بدّ من أن تنتهي إلى العلم الوجداني ، وإلاّ يلزم التسلسل.
مثلاً إذا تعبدنا الشارع بحجية خبر العادل فحجية الخبر تعبدي ، وأمّا نفس التعبد فهو ثابت بالوجدان ، فالورود هو الخروج الموضوعي بنفس التعبد الثابت بالوجدان ، كما في موارد قيام الدليل الشرعي بالنسبة إلى الاصول العقلية ، كالبراءة والاشتغال والتخيير ، فانّ موضوع حكم العقل بالبراءة عدم البيان ، إذ ملاك حكمه بها هو قبح العقاب بلا بيان ، وقيام الدليل الشرعي يكون بياناً ، فينتفي موضوع حكم العقل بالوجدان ، ببركة التعبد بحجية هذا الدليل.
وكذا الكلام بالنسبة إلى الاشتغال والتخيير ، فان موضوع حكم العقل بالاشتغال احتمال الضرر ، وموضوع حكمه بالتخيير التحير في مقام العمل ، كما في دوران الأمر بين المحذورين ، وبعد قيام الحجة الشرعية لا يبقى احتمال الضرر ولا التحير ليكون مورداً لحكم العقل بدفع الضرر المحتمل ، أو حكمه بالتخيير من جهة اللا حرجية. وهذا مبني على كون التخيير أصلاً في مقابل البراءة والاحتياط ، وأمّا بناءً على كونه راجعاً إلى البراءة ، وأنّ العقل يحكم بقبح العقاب على مخالفة خصوصية كل من التكليفين مع عدم بيانها ، فهو ليس أصلاً برأسه ، وقد مضى الكلام فيه (٢). وأمّا إن كان الخروج الموضوعي بثبوت المتعبد به لا بنفس التعبد ، فهو قسم من الحكومة على ما نتكلم فيه قريباً إن شاء الله تعالى.
وأمّا الحكومة فهي على قسمين :
__________________
(١) راجع الجزء الثاني من هذا الكتاب ص ١١.
(٢) في الجزء الثاني من هذا الكتاب ص ٣٨١ ـ ٣٨٦.