الكلام في الفرق بين التعارض والتزاحم
اعلم أنّ التزاحم قد يطلق على تزاحم الملاكات ، كما إذا كان في فعل جهة مصلحة تقتضي إيجابه ، وجهة مفسدة تقتضي تحريمه ، أو كان فيه جهة مصلحة تقتضي إيجابه ، وجهة مصلحة تقتضي إباحته ، فانّ الاباحة لا تلزم أن تكون ناشئة من عدم المصلحة وعدم المفسدة دائماً ، بل قد تكون ناشئة من مصلحة في الترخيص ، كما في قوله عليهالسلام : «لولا أن أشق على امّتي لأمرتهم بالسواك» (١) يعني الترخيص في ترك السواك ، وهو الاباحة بالمعنى الأعم ، إنّما هو لمصلحة التسهيل على الامّة.
والأمر في هذا التزاحم بيد المولى ، فهو الذي يلاحظ الجهات ، ويجعل الحكم طبقاً لما هو الأقوى من الملاكات. وليس للعبد إلاّالامتثال بلا ملاحظة المصلحة أو المفسدة ، بل لو فرض أنّ المولى قد اشتبه وجعل الوجوب بزعم كون المصلحة أقوى من المفسدة ، وعلم العبد بتساويهما أو بكون المفسدة أقوى من المصلحة ، يجب عليه الامتثال بحكم العقل ، فانّه لو تركه معتذراً بكون المأمور به خالياً عن المصلحة ، لا يسمع منه الاعتذار ويكون معاقباً عند العقلاء. كما أنّ الأمر في القوانين المجعولة من قبل الحكومات كذلك ، فانّه لو خالفها أحد من الرعايا ـ اعتذاراً بوجود المفسدة أو بعدم المصلحة ـ لا يسمع منه ويكون معاقباً عند الحكّام ، وحيث إنّه ليس للمكلف دخل في هذا التزاحم ، فلا تترتب على البحث عنه ثمرة ، فهو خارج عن محل البحث. والتزاحم بهذا
__________________
(١) الوسائل ٢ : ١٧ و ١٩ / أبواب السواك ب ٣ ح ٤ وب ٥ ح ٣.