وكيف كان ، فهذه الدلالة تحتاج إلى إحراز كون المتكلم بصدد التفهيم ومريداً له ، فمع الشك فيه ليست للفظ هذه الدلالة ، فضلاً عما إذا علم بعدم الارادة له ، كما إذا علم كونه نائماً ، بل هذه الدلالة متوقفة على عدم نصب قرينة على الخلاف متصلة بالكلام ، إذ مع ذكر كلمة «يرمي» في قوله : رأيت أسداً يرمي مثلاً ، لا تكون كلمة أسد دالةً على أنّ المتكلم أراد تفهيم الحيوان المفترس كما هو ظاهر.
الدلالة الثالثة : دلالة اللفظ على كون المعنى مراداً للمتكلم بالارادة الجدية ، وهي التي تسمى عندنا بالدلالة التصديقية ، وقسم آخر من الدلالة التصديقية عند القوم. وهي موضوع الحجية ببناء العقلاء المعبّر عنها بأصالة الجد تارةً وأصالة الجهة اخرى. وهذه الدلالة متوقفة ـ مضافاً إلى عدم نصب قرينة متصلة ـ على عدم قيام قرينة منفصلة على الخلاف أيضاً ، فانّ القرينة المنفصلة وإن لم تكن مانعة عن تعلق الارادة الاستعمالية كالقرينة المتصلة ، إلاّأ نّها كاشفة عن عدم تعلق الارادة الجدية ، فكما أنّ الاستثناء في قوله : أكرم العلماء إلاّالفساق قرينة على عدم كون المولى بصدد تفهيم جميع الأفراد في هذا الاستعمال ، فكذا قوله : لا تكرم العالم الفاسق كاشف عن عدم تعلق الارادة الجدية من المولى باكرام جميع أفراد العلماء في قوله : أكرم العلماء. وبالجملة : هذه الدلالة متوقفة على عدم نصب القرينة المتصلة والمنفصلة.
المقدمة الثانية : أنّ التعارض بين دليلين لا يتحقق إلاّباعتبار كون كل منهما حجة ودليلاً في نفسه لولا المعارضة ، إذ لا معنى لوقوع التعارض بين ما هو حجة وما ليس بحجة.
وبضم هذه المقدمة إلى المقدمة الاولى يستنتج صحة القول بانقلاب النسبة ، فانّه إذا قام دليل عام ثمّ ورد دليل مخصص لذلك العام ، وقام دليل آخر