الحديثان المختلفان ولم يأخذ بشيء منهما ، فانّ المخاطب بقوله عليهالسلام : «بأ يّهما أخذت فموسّع عليك» هو الذي لم يأخذ بواحد من الخبرين ، فلا تشمل من أخذ بأحدهما. وبعبارة اخرى : هذا التخيير تخيير في تعيين الحجة لمن لا تكون عنده حجة معيّنة ، فلا يثبت لمن تعيّنت له الحجة.
المقام الثاني : فيما إذا كان التعارض بين دليلين بالعموم من وجه ، ولم يتعرض له الأصحاب إلاّبعض المتأخرين. فقد يقال بأ نّه يؤخذ بالدليلين في مادتي الافتراق ، ويتساقطان في مادة الاجتماع. وقد يقال بأ نّه يرجع في مادة الاجتماع إلى مرجحات جهة الصدور والمضمون دون مرجحات الصدور ، فانّ الرجوع إليها يوجب طرح أحدهما رأساً حتى في مادة الافتراق ، أو التبعيض في السند والالتزام بصدوره في مادة الافتراق دون مادة الاجتماع ، وكلا الأمرين مما لا يمكن الذهاب إليه ، أمّا الأوّل فلأنّ طرح أحدهما في مادة الافتراق طرح للحجة بلا معارض. وأمّا الثاني فلأ نّه لايعقل التعبد بصدور كلام واحد بالنسبة إلى بعض مدلوله دون البعض الآخر. وأمّا التفكيك في جهة الصدور أو المضمون فلا مانع منه ، بأن يقال : صدور هذا الخبر بالنسبة إلى بعض مدلوله لبيان الحكم الواقعي ، وبالنسبة إلى البعض الآخر للتقية. وكذا التفكيك في المضمون ، بأن يقال : بعض مدلول هذا الخبر متعلق للارادة الجدية دول البعض الآخر للتخصيص أو التقييد.
أقول : إذا كانت النسبة بين المتعارضين هي العموم من وجه ، فامّا أن يكون العموم في كل منهما مستفاداً من الوضع ، أو من الاطلاق ، أو في أحدهما من الوضع ، وفي الآخر من الاطلاق. أمّا القسم الأخير فقد سبق الكلام فيه (١) عند
__________________
(١) في ص ٤٥٣ ـ ٤٥٤.