الكلام في التجزّي
ويقع البحث فيه في مقامين : الأوّل : في إمكانه. الثاني : في حكمه.
أمّا المقام الأوّل : فقد ذهب جماعة إلى استحالته ، بدعوى أنّ ملكة الاستنباط أمر بسيط وحداني ، والبسيط لا يتجزى ، فان وجدت فهو الاجتهاد المطلق ، وإلاّ فلا اجتهاد أصلاً. وكذا الأمر لو كان الاجتهاد عبارة عن نفس الاستنباط لا ملكته ، فانّه أيضاً بسيط غير قابل للتبعيض. وذهب الأكثر إلى إمكانه ، بل ذهب بعضهم إلى وجوبه كصاحب الكفاية قدسسره (١) بدعوى أنّ الوصول إلى المرتبة العالية ـ وهو الاجتهاد المطلق ـ يتوقف على طي المراتب النازلة على التدريج ، لبطلان الطفرة.
والتحقيق ما عليه الأكثر من إمكانه لا الامتناع ولا الوجوب ، فانّ المراد من التجزي هو التبعيض في أفراد الكلي لا التبعيض في أجزاء الكل ، إذ كما أنّ كل حكم من الأحكام الشرعية في مورد مغاير للأحكام الاخر في موارد اخر ، فكذلك استنباطه مغاير لاستنباطها ، فملكة استنباط هذه المسألة فرد من الملكة ، وملكة استنباط تلك المسألة فرد آخر منها وهكذا. وبساطة الملكة أو الاستنباط لا تنافي التجزي بهذا المعنى كما هو ظاهر ، وحيث إنّ مدارك الأحكام مختلفة جداً ، فربّ حكم يبتني استنباطه على مقدمات كثيرة فيصعب استنباطه ، وربّ حكم لا يبتني استنباطه إلاّعلى مقدمة واحدة فيسهل استنباطه ، ومع ذلك كيف يمكن أن يقال : إنّ القدرة على استنباط حكم واحد لا تكون إلاّمع القدرة على استنباط جميع الأحكام.
__________________
(١) كفاية الاصول : ٤٦٧.