فتحصّل من جميع ما ذكرناه : أنّه لا دليل على وجوب الأخذ بفتوى الأعلم في مفروض الكلام. نعم ، لو لم يثبت التخيير كان هو المتعيّن بمقتضى الأصل على ما تقدّم ، إلاّأنّ السيرة قائمة على الرجوع إلى كلٍ من الأفضل والمفضول عند عدم العلم باختلافهما فهي الدليل على التخيير ، ألا ترى أنّ الطبيب المفضول لا يبقى عاطلاً في بلد مع وجود الأفضل منه فيه ، فانّ العقلاء يراجعون المفضول كما يراجعون الأفضل. نعم ، لو احرز الاختلاف بينهما لا يراجعون المفضول كما ذكرناه سابقاً (١) ، هذا.
ويمكن الاستدلال على جواز الرجوع إلى غير الأعلم باطلاق مثل قوله تعالى : (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) (٢) وتوهّم أنّه لا يمكن التمسك باطلاق آية السؤال ونحوها في المقام ، لأن صورة مخالفة فتوى الأعلم مع فتوى غيره خارجة عن الاطلاقات ، لما تقدّم من أنّ أدلة الحجية من الآيات والروايات لا تشمل شيئاً من المتعارضين ، وحيث إنّا نحتمل في الفرض مخالفة فتوى الأعلم لفتوى غيره ، كان التمسك بالاطلاقات من قبيل التمسك بالعام في الشبهة المصداقية ، مدفوع بأ نّه يحرز عدم الاختلاف بين الفتويين باستصحاب عدمه الأزلي ، أو النعتي على ما ذكرناه غير مرّة (٣).
فروع :
الأوّل : إذا علم اختلاف المجتهدين وأعلمية أحدهما إجمالاً ، وجب الفحص
__________________
(١) في ص ٥٤٣.
(٢) النحل ١٦ : ٤٣.
(٣) راجع محاضرات في اصول الفقه ٤ : ٣٦٠ وما بعدها.