ثمّ إنّه بقي هنا شيء طفيف نتعرض له تبعاً للمحقق النائيني (١) وهو أنّه ذكر بعضهم إشكالاً على الاستدلال بالصحيحة المذكورة وغيرها من الصحاح ، وهو أنّ المراد من اليقين في قوله عليهالسلام : «لا تنقض اليقين بالشك» هو الجنس المراد منه العموم ، وبعد دخول «لا» عليه يكون المراد سلب العموم لا عموم السلب ، فيكون المعنى لا تنقض جميع أفراد اليقين بالشك ، فتكون دالّة على حجية الاستصحاب على نحو الايجاب الجزئي لا مطلقاً.
وهذا الاشكال بمكان من السقوط ، فانّه يرد عليه أوّلاً : أنّ ما ذكر إنّما يصح فيما إذا كان المدخول بنفسه مفيداً للعموم ، فبعد دخول النفي عليه يكون سلباً للعموم ، بخلاف المقام ، فانّ اليقين بنفسه لا يدل على العموم ، لأنّ المراد منه الجنس ، والعموم يستفاد من النفي ، فيكون بمنزلة قولنا : لا رجل في الدار في إفادته عموم السلب لا سلب العموم.
وثانياً : أنّه لا نسلّم سلب العموم حتى فيما إذا كان المدخول بنفسه مفيداً للعموم ، لما ذكرنا في بحث العام والخاص (٢) من أنّ الظاهر من العمومات هو العموم الاستغراقي لا المجموعي ، إلاّإذا قامت قرينة على إرادته ، فمثل قولنا : لا تهن العلماء ظاهر في عموم السلب لا سلب العموم وإن كان المدخول بنفسه مفيداً للعموم.
وثالثاً : أنّا لو سلّمنا ظهوره في سلب العموم فانّما هو فيما لم تكن قرينة على الخلاف ، والقرينة في المقام موجودة ، وهي أنّ الإمام عليهالسلام بعد ما حكم بعدم وجوب الوضوء على من شك في النوم ، علله بقوله عليهالسلام : «فانّه
__________________
(١) أجود التقريرات ٤ : ٣٥ ، فوائد الاصول ٤ : ٣٣٨.
(٢) الهداية في الاصول ٢ : ٣٠٠ ، لكن ذُكر ما ينافيه في الدراسات ٢ : ٢٣٤ و ٢٣٥.