أنّه كما تنتزع الامور الانتزاعية من الأشياء الخارجية ، كذلك تنتزع من الامور الاعتبارية ، فانّه إذا ترتب وجود شيء على شيء آخر في الخارج ، تنتزع منه السببية والمسببية لهما ، فكذلك الحال في الامور الاعتبارية ، فاذا جعل المولى حكمه مترتباً على شيء كما إذا قال : من حاز ملك ، أو من مات فما تركه لوراثه ، فتنتزع منه السببية ويقال : إنّ الحيازة سبب لملكية الحائز ، وموت المورّث سبب لملكية الوارث وهكذا ، فلا فرق من هذه الجهة بين الامور الخارجية والامور الاعتبارية فانّها أيضاً من الامور الواقعية المحققة التي تترتب عليها الآثار ، غاية الأمر أنّ تحققها إنّما هو في عالم الاعتبار وأمرها بيد المولى.
وبما ذكرنا ظهر الفرق بين الامور الاعتبارية والانتزاعية ، فانّ الامور الانتزاعية ليس بازائها شيء سوى منشأ الانتزاع ، بخلاف الامور الاعتبارية فانّ لها تحققاً في عالم الاعتبار ، وتترتب عليها الآثار ، وليست من الامور الخيالية.
فتحصّل مما ذكرنا أنّ هاهنا اموراً أربعة ، الأوّل : الامور المتأصلة الخارجية كالجواهر والأعراض. الثاني : الامور الاعتبارية التي أمرها بيد المولى. الثالث : الامور الانتزاعية ، وهي على قسمين ، لأنّ منشأ الانتزاع لها إمّا أن يكون من الامور الخارجية ، وإمّا أن يكون من الامور الاعتبارية ، وقد ذكرنا مثال القسمين. إذا عرفت ذلك فنقول :
أمّا القسم الأوّل من الأحكام الوضعية الذي ذكره صاحب الكفاية قدسسره فهو من قيود التكليف ، فانّ المولى تارةً يجعل التكليف بلا قيد فيكون مطلقاً ، واخرى يجعله مقيداً بوجود شيء في الموضوع فيكون شرطاً ، وثالثةً بعدمه فيكون مانعاً ، فالسببية والشرطية والمانعية بالنسبة إلى التكليف