الباب الثاني
في الفاعل
اعلم أن العامل إما أن يكون لفظا أو معنى. واللفظ إما أن يكون اسما أو فعلا أو حرفا ، فينحصر العامل في أربعة أنواع كما ترى ، ومن حكم كثير من أصحابنا أن الفعل في الألفاظ أصل في العمل دون الاسم والحرف ، بناء منهم ذلك على أن المؤثر يلزم أن يكون أقوى من المتأثر ، والفعل أقوى الأنواع من حيث المناسبة لكونه أكثر فائدة ، لدلالته على المصدر وعلى الزمان. وعندهم في تقريرهم هذا أن الاسم والحرف لا يعملان إلا بتقويهما به ، فيقدمون الفعل في باب العمل. ولنا في تقرير حكمهم هذا طريق غير ما حكينا عنهم فليطلب من كتابنا" شرح الجمل (١) " وعسى أن نشير إليه في خاتمة الكتاب. وإذ قد ساعدناهم في تقرير حكمهم هذا ، فلنساعدهم في البداءة به ، فليكن النوع الأول.
اعلم أن الفعل عمله الرفع والنصب فقط ، أما الرفع فلفاعله. وهو ما يسند إليه مقدما عليه ، والإسناد هو تركيب الكلمتين أو ما جرى مجراهما على وجه يفيد السامع كنحو : عرف زيد ، ويسمى هذا جملة فعلية ، أو زيد عارف أو زيد أبوه عارف ، ويسمى هذا جملة اسمية ، وإن تكرمني أكرمك ، وإن كان متى زرتك فهو السبب لرؤيتك ، فمتى لم أزرك لم أرك ، ويسمى هذا جملة شرطية ، أو في الدار أو أمامك بمعنى حصل فيها ، ويسمى هذا جملة ظرفية دون : نحو عارف زيد ، إذا أضفت ، أو زيد العارف ، إذا وصفت ، فإنك لا تفيد. والعلم بجميع ذلك بديهي ، وهو الذي منع أن نحد الفائدة فيما نحن بصدده ، والأصل فيه أن يلي الفعل. فإذا قدم عليه غيره كان في نية المؤخر ، ومن ثمة جاز : ضرب غلامه زيد ، وامتنع عند الجمهور سوى الإمام ابن جني :
__________________
(١) كتاب الجمل لعبد القاهر الجرجاني ، صاحب أسرار البلاغة ، ودلائل الإعجاز ، توفى عام ١٤٧١ ه ، وشرح السكاكى غير موجود (البلاغة عند السكاكى ٦٠ ، وعبد القاهر الجرجاني ٤٣) ويرى الجرجاني : أن الأفعال أصل في العمل ، فلذا قدم القول فيها في (الجمل ١٣).