السكاكي وتقسيمه الثلاثي لعلوم البلاغة
خصص السكاكي القسم الثالث من كتابه مفتاح العلوم لعلمي المعاني والبيان ، وبعد أن فرغ من مباحثهما قال :
" وإذ قد تقرر أن البلاغة بمرجعيها وأن الفصاحة بنوعيها مما يكسو الكلام حلّة التزيين ، ويرقيه أعلى درجات التحسين ، فهاهنا وجوه مخصوصة كثيرا ما يصار إليها لقصد تحسين الكلام ، فلا علينا أن نشير إلى الأعرف منها وهي قسمان :
قسم يرجع إلى المعنى.
وقسم يرجع إلى اللفظ" (١)
فقد أفرد السكاكي مبحث البديع عن علمي المعاني والبيان ، مسميا إياه بوجوه مخصوصة كثيرا ما يصار إليها لقصد تحسين الكلام.
وهذا التقسيم لا نعلم أحدا سبق السكاكي إليه ، يقول الشيخ المراغي في كتابه
تاريخ علوم البلاغة : " لا نعلم أحدا سبق السكاكي إلى قسمة علوم الفصاحة الأقسام الثلاثة المعروفة ، ولا نرى لهذا التقسيم وجها صحيحا ولا مستندا من رواية ولا دراية ؛ فليس هناك جهة للتمايز تفصل كل علم عن قسيميه ، ولا في أغراض كل علم ولا في موضوعه ما يجعله وحدة مستقلة عن العلمين الآخرين في بحوثه ومسائله ، حتى يمكن الناظر أن يقتنع بوجاهة هذا التقسيم ويبرهن على صحته ، بل على العكس نرى بينها اتصالا وثيقا في الأغراض والمقاصد ، واتحادا في جهة البحث ، فلا يمكن فصل بعضها من بعض ، وإن أمكن فعلى نحو آخر غير ما ذكره السكاكي ومن اقتفوا أثره ، وساروا على سننه دون أن يدلوا بحجة ناصعة.
" وقد فنّد الشيخ تقسيم السكاكي ودلّل على خطئه ، مبينا أنه ليس له مستند لا رواية ولا دراية : أما إن الرواية لا تساعده فلوجوه منها :
(١) أن المتقدمين الذين كتبوا قبله كأبي هلال في الصناعتين ، وابن سنان الخفاجي في سر الفصاحة ، وعبد القاهر في كتابيه" أسرار البلاغة" ، " ودلائل الإعجاز" ، لم ينحوا هذا النحو الذي نحاه.
(٢) أن الزمخشري : وهو من هو في علو كعبه ، في البلاغة كثيرا ما يسمى هذه العلوم بالبيان ، وأحيانا يسميها بالبديع.
__________________
(١) المفتاح ص ٢٢٥ ط المطبعة الأدبية.