الفصل الرابع
في علة إعراب المثنى والمجموع
على ما هو عليه
الكلام في ذلك على الوجه المستقصى ، مذكور في كتابنا" شرح الجمل" للإمام عبد القاهر ، رحمة الله عليه ، ولكنا نورد من ذلك ههنا ما هو شرط الموضع.
اعلم أن التثنية والجمع إذا أريد وضع طريقة لهما ، لزم اعتبار تغيير ، وأن يكون ذلك في الاسم ، وأن يكون في آخره ، وأن يكون بالزيادة ولأخذ الإعراب التبديل ، وأن تكون واحدة بناء لجميع ذلك على المقدمة الأولى ، وأن تكون من حروف المد ؛ لكونها خفيفة لذواتها قريبة الوقوع لكثرة دورها ، إما بأنفسها أو بأبعاضها ، وقد مرنت لذلك بها الألسن ، واستأنست المسامع ، وألفتها الطباع ، ومالت إليها النفوس ، وأن يكون فيها دليل الإعراب محافظة عليه ، وحسن نظر له ، لامتناع المدات عن التحريك ، وجمعا بين الغرضين.
لكن استلزام المحافظة عليه في أحواله الثلاث : حالتي التثنية والجمع بالمدات الثلاث ، الاشتراك في كل واحدة منهن المخالف للقياس أوجب إلغاءها في بعض الأحوال ؛ تقليلا للاشتراك في الحروف ، وحين آل الأمر إلى جعل بعض الحروف مشتركا دون بعض ، تعينت الياء التي من شأنها استواء النسبة إلى الخفة والثقل وإلى مخرجي أختيها ؛ للاشتراك الذي من شأنه استواء النسبة إلى المعنيين ، وانقسمت أختاها على التثنية والجمع لجهتي التقدم والتأخر.
ثم لما قدم الرفع في الاعتبار كونه حصة الفاعل المتقدم فيه ، كما سبق ، تعينت له ، ثم تعينت الياء لأخويه فيهما ، وأصلا للجر منهما ، لما بينها وبينه من النسب ما ليس بينها وبين النصب ، فحصل إعراب المثنى والمجموع على ما ترى.
وأما النون ، فالأقرب فيه أنه لما اعتبر الإغراب الذي هو للاسم بحكم الأصالة في التثنية والجمع على حدها للجهة المذكورة ، واستهجن إلغاؤه فيهما لمناسبات تآخذت في ذلك ، امتنع بحكم رعاية ذلك بناء المثنى والمجموع جمع السلامة ، ولذلك اختلف في