الفصل الأول
في ضبط معاقد علم المعاني والكلام فيه
تمهيد :
اعلم أن مساق الحديث يستدعي تمهيدا (١) ، وهو : أن مقتضى الحال عند المتكلم يتفاوت ، كما ستقف عليه ، إذا أفضت النوبة إلى التعرض له من هذا الكتاب ، بإذن الله تعالى ، فتارة تقتضي ما لا يفتقر في تأديته إلى أزيد من دلالات وضعية ، وألفاظ كيف كانت ، ونظم لها لمجرد التأليف بينها يخرجها عن حكم [النعيق](٢) ، وهو الذي سميناه في علم النحو أصل المعنى ، ونزلناه ههنا منزلة أصوات الحيوانات. وأخرى تقتضى ما تفتقر في تأديته إلى أزيد.
وظاهر أن الخطأ الذي نحن بصدده لا يجامع في الأول أدنى التمييز ، فضلا أن يقع فيه من العاقل المتفطن ، وإنما مثار الخطأ هو الثاني ، وإن اختلج في وهمك أن الاحتراز عن الخطأ في الثاني ، إن لم يتوقف على علم المعاني ، استغنى عنه ، وإن توقف عليه ، ولا شبهة في أن الكلام فيه كلام من القبيل الثاني ، فيتوقف تعريفه على تعريف له سابق ، ويتسلسل أو يدور ، فاستوضح ما أجبنا به عن تعلم خ خ علم الاستدلال ، وخ خ علم العروض ، إذ قيل : إن كان العقل أو الطبع يكفي في البابين ، فليستغن عن تعليمهما ، وإلا كان تعليمهما موقوفا على تعليم سابق ، والمآل إما الدور (٣) أو التسلسل (٤).
وسننظم لك هذين العلمين في سلك التعرض لهما ، إذا حان وقته بإذن الله تعالى.
__________________
(١) في (غ) تمهيد أصل.
(٢) في (غ) العنيق.
(٣) الدور : هو توقف الشىء على ما يتوقف عليه ، ويسمى الدور المصرح كما يتوقف (أ) على (ب) وبالعكس (التعريفات للجرجاني حرف الدال ص ١٠٥).
(٤) التسلسل : ترتيب أمور غير متناهية ، وأقسامه أربعة (السابق حرف التاء ص ٥٧).