وإذ قد عرفت هذا فنقول : إن التعرض لخواص تراكيب الكلام موقوف على التعرض لتراكيبه ضرورة ، لكن لا يخفى عليك حال التعرض لها منتشرة ، فيجب المصير إلى إيرادها تحت الضبط بتعيين ما هو أصل لها وسابق في الاعتبار ، ثم حمل ما عدا ذلك عليه شيئا فشيئا على موجب المساق.
والسابق في الاعتبار في كلام العرب شيئان : الخبر (١) والطلب المنحصر بحكم الاستقراء في الأبواب الخمسة التي يأتيك ذكرها. وما سوى ذلك نتائج امتناع إجراء الكلام على الأصل ، وعساك فيما ترى أن تقتحمه عيناك ، لكنك إذا اجتليته ، أو إن كشف القناع عنه ، وجدت من نفسك الشأن بخلافه ، فلنعينهما ، أعني : الخبر والطلب (٢) ، لافتتاح الكلام لما نحن له ، والله المستعان.
آراء العلماء في الخبر والطلب
اعلم أن المعتنين بشأنهما فرقتان : فرقة تحوجهما إلى التعريف ، وفرقة تغنيهما عن ذلك. واختيارنا قول هؤلاء.
أما في الخبر ؛ فلأن كل أحد من العقلاء ممن لم يمارس الحدود والرسوم ، بل الصغار الذين لهم أدنى تمييز ، يعرفون الصادق والكاذب ، بدليل أنهم يصدقون أبدا في مقام
__________________
(١) الخبر : تحدث سيبويه عن الخبر في الكتاب وذكره مقابل الاستفهام وقلده الفراء في مثل ذلك في كتابه معاني القرآن. وعرفه المبرد بقوله : الخبر ما جاز على قائله التصديق والتكذيب وكذلك صنفه ثعلب في كتابه قواعد الشعر إلى أربعة أقسام : أمر ، ونهي ، وخبر واستخبار.
كما ذكره ابن فارس في كتابه الصاحبي فقال : أما أهل اللغة فلا يقولون في الخبر أكثر من أنه إعلام ...
وعده الرازي في كتابه نهاية الإيجاز القول المقتضى بتصريحه نسبة معلوم إلى معلوم بالنفي أو الإثبات ... المعجم المفصل ٦ / ٥٥٣ ـ ٥٥٤ وله أنواع متعددة ، منها الخبر الابتدائى ، والإنكارى ، والطلبي والخبر للاسترحام ، والخبر لإظهار التحسر ... إلخ.
(٢) في (غ) (والطب) وهو تصحيف.