الفن الأول
في تفصيل اعتبارات الإسناد الخبري
الخبر الابتدائي :
من المعلوم أن حكم العقل حال إطلاق اللسان ، هو أن يفرغ المتكلم في قالب الإفادة ما ينطق به تحاشيا عن وصمة اللاغبة ، فإذا اندفع في الكلام مخبرا ، لزم أن يكون قصده في حكمه بالمسند للمسند إليه في خبره ذاك ، إفادته للمخاطب ، متعاطيا مناطها بقدر الافتقار. فإذا ألقى الجملة الخبرية إلى من هو خالي الذهن عما يلقى إليه ، ليحضر طرفاها عنده ، وينتقش في ذهنه استناد أحدهما إلى الآخر ثبوتا أو انتفاء ، كفى في ذلك الانتقاش حكمه ، ويتمكن لمصادفته إياه خاليا :
أتاني هواها قبل أن أعرف الهوى ... |
|
فصادف قلبي خاليا فتمكّنا (١) |
الخبر الطلبي :
فتستغنى الجملة عن مؤكدات الحكم ، وسمي هذا النوع من الخبر : ابتدائيا.
وإذا ألقاها إلى طالب لها ، متحير طرفاها عنده دون الاستناد ، فهو منه بين بين ، لينقذه عن ورطة الحيرة ، استحسن تقوية المنقذ بإدخال اللام في الجملة ، أو إن ، كنحو : لزيد عارف ، أو إن زيدا عارف.
وسمي هذا النوع من الخبر : طلبيا.
الخبر الإنكاري :
وإذا ألقاها إلى حاكم فيها بخلافه ، ليرده إلى حكم نفسه ، استوجب حكمه ليترجح تأكيدا بحسب ما أشرب المخالف الانكار في اعتقاده ، كنحو : خ خ إني صادق ، لمن ينكر
__________________
(١) البيت من الطويل وهو لمجنون بنى عامر ، أورده الجاحظ في البيان والتبيين (١ / ٤١) وفيه : (قلبا خاليا) وأورده الطيبى في التبيان (١ / ١٤٣) بتحقيقى.