الفن الثاني
في تفصيل اعتبارات المسند إليه (١)
لما تقرر أن مدار حسن الكلام وقبحه على انطباق تركيبه على مقتضى الحال ، وعلى لا انطباقه ، وجب عليك أيها الحريص على ازدياد فضلك ، المنتصب لاقتداح زناد عقلك ، المتفحص عن تفاصيل المزايا التي بها يقع التفاضل ، وينعقد بين البلغاء في شأنها التسابق والتناضل ـ أن ترجع إلى فكرك الصائب ، وذهنك الثاقب ، وخاطرك اليقظان ، وانتباهك العجيب الشان ، ناظرا بنور عقلك ، وعين بصيرتك ، في التصفح لمقتضيات الأحوال في إيراد المسند إليه على كيفيات مختلفة ، وصور متنافية ، حتى يتأتى بروزه عندك لكل منزلة في معرضها ، فهو الرهان الذي يجرب به الجياد ، والنضال الذي يعرف به الأيدي الشداد ، فتعرف أيما حال يقتضي طي ذكره ، وأيما حال يقتضي خلاف ذلك ، وأيما حال يقتضي تعرفه : مضمرا ، أو علما ، أو موصولا ، أو اسم إشارة ، أو معرفا باللام ، أو بالإضافة ؛ وأيما حال يقتضي تعقيبه بشيء من التوابع الخمسة ، والفصل ، وأيما حال يقتضي تنكره ، وأيما حال يقتضي تقديمه على المسند ، وأيما حال يقتضي تأخيره عنه ، وأيما حال يقتضي تخصيصه أو إطلاقه حال التنكير ، وأيما حال يقتضي قصره على الخبر.
طيّ ذكر المسند إليه :
أما الحالة التي تقتضي طي ذكر المسند إليه فهي : إذا كان السامع مستحضرا له ، عارفا منك القصد إليه عند ذكر المسند ، والترك راجع إما لضيق المقام ، وإما للاحتراز عن العبث بناء على الظاهر ، وإما لتخييل أن في تركه تعويلا على شهادة العقل ، وفي ذكره تعويلا على شهادة اللفظ من حيث الظاهر ، وكم بين الشهادتين ، وإما لإيهام أن
__________________
(١) المسند اصطلاحا : المتحدث به ، أو المحمول أو الخبر.
والمسند إليه : هو موضوع الكلام أو المتحدث عنه. ويسمى أيضا : المحكوم عليه.