الفن الثالث
في تفصيل اعتبارات المسند
للوجه الذي علمت ، أيها المخصوص بتلاطم أواذي (١) فكره دون أبناء جنسه ، المستودع في استكشافه عن أسرار البلاغة كمال أنسه النقاب المحدث ، فلا يحتجب عنه شيء من بدائع النكت في مكامنها ، المستخرج للطائف السحر البياني عن معادنها ، المستطلع طلع الإعجاز التنزيلي باستغراق طوقه ، المالك لزمام الحكم ، كفاء المتّحدين ، بعجيب فهمه ، وغريب ذوقه ، فهو الطلبة ، وما عداه ذرائع إليه ، وهو المراد وما سواه أسباب للتسلق عليه ، أن لا بد من التصفح لمقتضيات الأحوال في إيراد المسند إليه ، على تلك الصور والكيفيات ، تعلم له أيضا أن لا بد من التصفح عن الأحوال المقتضية لأنواع التفاوت في المسند ، من كونه : متروكا تارة وغير متروك أخرى ، ومن كونه مفردا أو جملة ؛ وفي إفراده من كونه : فعلا ، نحو : قام زيد ويقوم وسيقوم ، أو اسما ، منكرا أو معرفا من جملة المعرفات ، مقيدا كل من ذلك بنوع قيد ، نحو : ضربت يوم الجمعة ، وزيد رجل عالم ، وعمرو أخوك الطويل ، أو غير مقيد.
وفي كونه : جملة ، من كونها : اسمية أو فعلية ، أو شرطية أو ظرفية ، ومن كونه : مؤخرا أو مقدما ، حتى يتهيأ لك أن يتسم لكل مقام بسمته ، وأن يجري إلى حد مقتضاه على أقوم سمته ، فهو المطارح الذي تران فيه قوى القرائح ، والمطارد الذي يمتاز فيه الجدع عن القارح (٢).
ترك المسند :
أما الحالة المقتضية لترك المسند فهي : متى كان ذكر المسند إليه بحال يعرف منه
__________________
(١) الآذى : موج البحر ، والجمع أواذى.
(٢) الجذع بالذال المعجمة الصغير السن ، وقد وقعت في النسخ بالمهملة ، والقارح من ذى الحافر بمنزلة البازل من الإبل.