عرفت زيدا عرفته ، وحملته على باب التأكيد ، وإن شئت قدرته بعده على نحو : زيدا عرفت عرفته ، وحملته على باب التخصيص.
وأما نحو قوله : (وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ)(١) فيمن قرأ بالنصب ، فليس إلا التخصيص لامتناع : (أما فهدينا ثمود) ، وأما نحو : زيد عرف ، ورجل عرف ، فليسا من قبيل : هو عرف في احتمال الاعتبارين على السواء ، بل حق المعرّف حمله على وجه تقوي الحكم ، وحق المنكر حمله على وجه التخصيص.
وإنما افترق الحكم بين الصور الثلاث ؛ لأنه إذا قلنا : عرف هو ، لم يكن هو فاعلا ، لما عرف في علم النحو أن ضمير الفاعل لا ينفصل إلا إذا جرى الفعل على غير ما هو له في موضع الإلباس ، وإذا تقدم عليها" إلا" صورة ، كنحو : ما ضرب إلا هو ، أو معنى ، كنحو : إنما يدافع عنك أنا ، إذ المعنى : لا يدافع عنك إلا أنا ، وإذا لم يكن هو فاعلا ، احتمل التقديم على الفعل ، فإذا قلنا : هو عرف ؛ كان له ذلك الاحتمال ، مع احتمال الابتداء ؛ لكونه في موضعه ، وكونه مع ذلك على شرطه في قوة الفائدة بالإخبار عنه وهو [تعرفة](٢) ؛ وإذا قلنا : عرف زيد ، كان (زيد) مرفوعا بعرف لقلة نظائر : (وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا)(٣) وحينئذ لا يكون له احتمال التقدم على الفعل ، كما سبق في علم النحو ، فلا يكون لقولنا : زيد عرف ، غير احتمال الابتداء ، اللهم إلا بذلك الوجه البعيد ، فلا يرتكب عند المعرف ؛ لكونه على شرط المبتدأ. وإنما يرتكب عند المنكر لفوات الشرط ، إذ لم يمنع عن التخصيص مانع ، كما إذا قلت : رجل جاء ، لصحة أن يراد الجائي رجل لا امرأة ، أيها السامع ، دون قولهم : شر أهرّ ذا ناب ، لامتناع أن يراد : المهرّ لذي ناب شر لا خير ، اللهم إلا إذا حملت التخصيص على وجه آخر ، وهو الإفراد على تقدير : رجل جاء لا رجلان ، فإنه محمل يصار إليه كثيرا عند
__________________
(١) سورة فصلت الآية ١٧.
(٢) كذا في (ط) و (ع) ، (د).
(٣) سورة الأنبياء ، الآية ٣.