فالوجه فيه عندي أن يحمل : " اقرأ" على معنى افعل القراءة وأوجدها ، على نحو ما تقدم في قولهم : فلان يعطي ويمنع ، في أحد الوجهين ، غير معدى إلى مقروء به ، وأن يكون (" بِاسْمِ رَبِّكَ") مفعول اقرأ الذي بعده.
النوع الثالث :
والحالة المقتضية للنوع الثالث : هي كون العناية بما يقدم أتم ، وإيراده في الذكر أهم.
والعناية التامة بتقديم ما يقدم ، والاهتمام بشأنه نوعان :
أحدهما : أن يكون أصل الكلام في ذلك هو التقديم ، ولا يكون في مقتضى الحال ما يدعو إلى العدول عنه ، كالمبتدأ المعرف ، فإن أصله التقديم على الخبر ، نحو : زيد عارف ، وكذي الحال المعرف ، فأصله التقديم على الحال ، نحو : جاء زيدا راكبا ، وكالعامل ، فأصله التقدم على معموله ، نحو : عرف زيد عمرا ، وكان زيد عارفا ، وإن زيدا عارف ، ومن زيد ، وغلام عمرو ؛ وكالفاعل فأصله التقدم على المفعولات ، وما يشبهها من : الحال والتمييز ، نحو : ضرب زيد الجاني بالسوط يوم الجمعة أمام بكر ضربا شديدا ؛ تأديبا له ممتلئا من الغضب ، وامتلأ الإناء ماء.
وكالذي يكون في حكم المبتدأ من مفعولي باب : علمت ، نحو : علمت زيدا منطلقا ، أو في حكم فاعل من مفعولي باب : أعطيت وكسوت ، نحو : أعطيت زيدا درهما ، وكسوت عمرا جبة ، فزيد عاط ، وعمرو مكتس ، فحقهما التقدم على غيرهما : وكالمفعول المتعدي إليه بغير وساطة ، فأصله التقدم على المتعدى إليه بوساطة ، نحو : ضربت الجاني بالسوط ، وكالتوابع فأصلها أن تذكر مع المتبوع ، فلا يقدم عليها غيرها ، نحو : جاء زيد الطويل راكبا ، وعرفت أنا زيدا ، وكذا : عرفت أنا وفلان زيدا ، وغير ذلك مما عرف له في علم النحو موضع من الكلام يوصف الأصالة بالإطلاق.
وثانيهما : أن تكون العناية بتقديمه ، والاهتمام بشأنه ، لكونه في نفسه نصب عينك ، وأن التفات الخاطر إليه في التزايد ، كما تجدك إذا وارى قناع الهجر وجه من روحك في خدمته ، وقيل لك : ما الذي تتمنى؟ تقول : وجه الحبيب أتمنى ، فتقدم ؛ أو كما تجدك إذا