ولا تعرف حسن موقع هذا التعريض ، إلّا إذا نظرت إلى مقامه ، وهو تطلب إسماع الحق على وجه لا يورث طالبي دم المسمع مزيد غضب ، وهو ترك المواجهة بالتضليل والتصريح لهم بالنسبة إلى ارتكاب الباطل ، ومن هذا الأسلوب قوله تعالى : (قُلْ لا تُسْئَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنا وَلا نُسْئَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ)(١) وإلا فحق النسق من حيث الظاهر : قل : لا تسئلون عما عملنا ، ولا تسأل عما تجرمون ، وكذا ما قبله : (وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ)(٢).
وهذا النوع من الكلام يسمى المنصف ، و [إما](٣) للتفاؤل وإما لإظهار الرغبة في وقوعه ، كما تقول : إن ظفرت بحسن العاقبة ، فذاك ، وعليه قوله تعالى (وَلا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ عَلَى الْبِغاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً)(٤) وما شاكل ذلك من لطائف الاعتبارات ، وقولهم : رحمهالله ، في الدعاء من هذا القبيل ، ومن ههنا تتنبه لنكتة يتضمنها تفاوت الشرطين في (فَإِذا جاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قالُوا لَنا هذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسى وَمَنْ مَعَهُ)(٥) ماضيا في" جاءتهم الحسنة" ومستقبلا في" تصبهم سيئة". أو إبراز المقدر في معرض الملفوظ به لانصباب الكلام إلى معناه ، كما في قولك : إن أكرمتني الآن ، فقد أكرمتك أمس ، مرادا به إن تعتد بإكرامك إياي الآن ، فاعتد بإكرامي إياك أمس.
__________________
(١) سورة سبأ الآية ٢٥.
(٢) سورة سبأ الآية : ٢٤.
(٣) في (غ) ، (وما).
(٤) سورة النور الآية ٣٣.
(٥) سورة الأعراف الآية ١٣١.