الفن الرابع
الفصل والوصل ، والإيجاز ، والإطناب
مركوز في ذهنك لا تجد لرده مقالا ، ولا لارتكاب جحده مجالا أن ليس يمتنع بين مفهومي جملتين اتحاد بحكم التآخي ، وارتباط لأحدهما بالآخر مستحكم الأواخي ، ولا أن يباين أحدهما الآخر مباينة الأجانب ؛ لانقطاع الوشائج بينهما من كل جانب ، ولا أن يكونا بين بين لآصرة رحم ما هنالك ، فيتوسط حالهما بين الأولى والثانية لذلك ، ومدار الفصل والوصل.
الفصل :
وهو : ترك العاطف وذكره على هذه الجهات ، وكذا طي الجمل عن البين ولا طيها ، وإنها لمحك البلاغة ، ومنتقد البصيرة ، ومضمار النظار ، ومتفاضل الأنظار ، ومعيار قدر الفهم ، ومسبار غور الخاطر ، ومنجم صوابه وخطائه ، ومعجم جلائه وصدائه ، وهي التي إذا طبقت فيها المفصل شهدوا لك من البلاغة بالقدح المعلى ، وأن لك في إبداع وشيها اليد الطولى ، وهذا فصل له فضل احتياج إلى تقرير واف ، وتحرير شاف.
العطف :
اعلم أن تمييز موضع العطف عن غير موضعه في الجمل كنحو أن تذكر معطوفا بعضها على بعض تارة ، ومتروكا العطف بينها تارة أخرى ، هو الأصل في هذا الفن ، وأنه نوعان : نوع يقرب تعاطيه ، ونوع يبعد ذلك فيه ، فالقريب : هو أن تقصد العطف بينها بغير الواو ، أو بالواو بينها ، لكن بشرط أن يكون للمعطوف عليها محل من الإعراب.
والبعيد : هو أن تقصد العطف بينها بالواو ، وليس للمعطوف عليها محل إعرابي.
والسبب في أن قرب القريب ، وبعد البعيد ، هو : أن العطف في باب البلاغة يعتمد معرفة أصول ثلاثة : أحدها : الموضع الصالح له من حيث الوضع ، وثانيها : فائدته ، وثالثها : وجه كونه مقبولا لا مردودا.